تأسست الأمم المتحدة في أكتوبر 1945م، مع نهاية الحرب العالمية الثانية بهدف رئيسي وهو حفظ السلم والأمن الدوليين، وبعدها بعامين فقط ألقي على عاتق المنظمة مناقشة الصراع العربي الإسرائيلي وسبل تسويته بالطرق السلمية.
لم يشغل الأمم المتحدة قضية أو نزاع مثلما شغلتها القضية الفلسطينية، وذلك بحكم مداها الزمني وتطوراتها الجيوسياسية. وقد تراوح دور الأمم المتحدة وفعاليته بشأن القضية الفلسطينية بين الإقحام والاستبعاد، فقد صدر عن الجمعية العامة قرار التقسيم رقم (181)، وقرار العودة (194)، ومؤخرًا اعتمادها لقرار تاريخي يؤيد حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وكذلك قرارات مجلس الأمن مثل ٢٤٢ وقرار (2735) والذي يتبنى فيه مقترح بايدن لوقف إطلاق النار في غزة.
لقد مر النظام الدولي وأقطابه الرئيسية بتطورات وتحولات انعكست بالضرورة على دور الأمم المتحدة وفعالية قراراتها. ففي صراعات كثيرة يتم تطبيق رؤية الأمم المتحدة وقراراتها؛ بخلاف القضية الفلسطينية التي لم يتم تنفيذ أي قرار أممي بشأنها.
ومنذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، أبدت الأمم المتحدة استجابة إنسانية فاعلة، لكن استجابتها على المستوى السياسي والمتعلقة بقرارات مجلس الأمن ظلّت مرهونة بإرادة الولايات المتحدة. ونتناول في هذا المقال تحليل الدور السياسي والقانوني للمنظمة الدولية في التعامل مع الحرب الإسرائيلية على غزة، وذلك من خلال قراءة تحليلية لتدخلات مجلس الأمن والجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية وتفنيد تلك المواقف والقرارات وتقييم مدى فعاليتها لجهة وقف الحرب الإسرائيلية على غزة، في محاولة لتقييم الدور الملتبس للأمم المتحدة.
أولاً: الأمم المتحدة والقضية الفلسطينية: لمحة تاريخية
يطول الارتباط بين القضية الفلسطينية والأمم المتحدة، وكيف تعاملت الأخيرة مع حقوق الشعب الفلسطيني في مراحل مختلفة، وفي كثير من الأحيان استبعدت الولايات المتحدة أي دور للأمم المتحدة في القضية الفلسطينية بعد أن شرعنت وجود دولة إسرائيل عبر قرار جمعيتها العامة رقم (181) بشأن تقسيم فلسطين إلى دولتين في نوفمبر 1947م.
وبعد هزيمة يونيو1967م، أصدر مجلس الأمن قراره رقم (242) والقاضي بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها، ويعترف بالحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، لكن إسرائيل ما تزال ترفض فكرة الدولة الفلسطينية من الأساس، وتحارب أي كيان فلسطيني وتفشل أي مشروع تسوية سياسية مثلما فعلت مع اتفاق أوسلو. فإضافة للدعم العسكري والاقتصادي غير المحدود الذي توفره الولايات المتحدة لإسرائيل خارج الأمم المتحدة، فإن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض الفيتو أكثر من مئة مرة لمنع صدور قرارات تدين إسرائيل أو تضر مصالحًا من مجلس الأمن.
إن إسرائيل وإن امتلكت القوة فلا يعني ذلك أنها تمتلك الحق في الأرض أو وجود شرعي في الأراضي العربية منذ عام 1948م، في المقابل، تقبل العرب والفلسطينيون وبإجماع فكرة التعايش مع دولة إسرائيل مقابل إقامة دولة فلسطينية على حدود حزيران 67، وتمثل مبادرة السلام العربية التي طرحتها السعودية خلال قمة بيروت 2002م، إطارًا للتسوية السياسية للقضية الفلسطينية بما يلبي رؤية المجتمع الدولي والقرارات الأممية.
لم تعدو الأمم المتحدة بالنسبة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي سوى أداة لشرعنة الوجود الإسرائيلي على الأراضي التي احتلتها عام 1948م، وظل ذلك الانحياز الأعمى يساعد إسرائيل في التهرب من أي التزامات، بعكس صراعات أخرى سرعان ما لجأت فيها الولايات المتحدة لإصدار قرار من مجلس الأمن وتدخلت عسكريًا سواء في إطار الأمم المتحدة أو خارجها تلبية للمصالح الأمريكية الحيوية.
ثانيًا: تعامل الأمم المتحدة مع حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة
لا يمكن إنكار الدور الإنساني والإغاثي الذي تقوم به المؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة، وهذا الدور تقوم به في كل مناطق الأزمات والصراعات المسلحة، لكن هذا المقال يركز على الدور السياسي والقانوني للمنظمة وأجهزتها -وتحديدًا مجلس الأمن باعتباره المطبخ السياسي-والإطار القانوني الذي تناقش فيه وأحيانًا تُدار من خلاله الصراعات والأزمات الدولية.
- فعالية دور مجلس الأمن بشأن الحرب على غزة: قراءة نقدية
في 16 أكتوبر فشل مجلس الأمن في تبني مشروع قرار روسي يدعو لوقف إطلاق نار فوري لدواعٍ إنسانية والإفراج الفوري عن جميع الرهائن، بعد أن عرقله المعسكر الغربي ولم يحصل المشروع على تسعة أصوات، وبعدها بيومين عرقلت الولايات المتحدة بالفيتو مشروعًا برازيليًا مشابهًا، وفي ٢٥ أكتوبر فشل مجلس الأمن في اعتماد مشروعين لقرارين بشأن الحرب في غزة، إحداهما روسي لم يحصل على تسعة أصوات، والآخر أمريكي، عطلته روسيا باستخدام الفيتو، أي أن كل طرف عطل مشروع الطرف الآخر.
وفي 15 نوفمبر 2023م، تبنى مجلس الأمن القرار 2712 والداعي إلى إقامة هدن وممرات إنسانية عاجلة، والإفراج العاجل عن الرهائن، وتقديم المساعدات الإنسانية والسلع والخدمات الأساسية المهمة دون معيقات، وقد حصل القرار على 12 صوتًا، فيما امتنع عن التصويت كل من روسيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
استخدمت الولايات المتحدة الفيتو لإفشال مشروع قرار إماراتي في 8 ديسمبر يدعو لوقف إنساني لإطلاق النار، واستخدمت فيتو أمريكي آخر في 20 فبراير ضد مشروع قرار مشابه قدمته الجزائر، وحصل كل من القرارين على 13 صوتًا، وهذا يؤكد إصرار الولايات المتحدة على توفير الغطاء السياسي لحرب الإبادة الإسرائيلية، وهي تضرب بعرض الحائط رؤية المجتمع الدولي ورغبته عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.
وفي مارس 2024م، أفشل الفيتو الروسي / الصيني مشروع قرار قدمته الولايات المتحدة يؤكد على الضرورة القصوى للتوصل لوقف فوري ومستدام لإطلاق النار، قالت روسيا إن النص لم يتضمن أي دعوة لوقف إطلاق النار، بل يعطي الضوء الأخضر لإسرائيل لمواصلة حربها، أما الصين فقد اعتبرت نص القرار غامضًا ولا يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، وهذا يعكس مدى التنافر في الرؤية بين الولايات المتحدة وروسيا والصين بخصوص القضية الفلسطينية داخل الأمم المتحدة وخارجها.
وفي 25 مارس تبنى مجلس الأمن القرار (2728) ويدعو إلى وقف عاجل لإطلاق النار في غزة خلال شهر رمضان، وحظي القرار الذي قدم باسم أعضاء المجلس الـ 10 المنتخبين، بموافقة 14 دولة، في حين امتنعت أمريكا عن التصويت. ولم تمارس أي ضغوط على إسرائيل لتنفيذ القرار. وهذا يدلل أن الولايات المتحدة تجيز قرارات المجلس لمصلحتها وبما يتماشى مع أهدافها الاستراتيجية، فمهما كانت الجريمة يمكن التغاضي عنها فقط إذا كان الفاعل إسرائيل.
واضح أن هناك تناقض أمريكي مع باقي أعضاء المجلس حول مضمون القرارات وإصرار أمريكي للتصدي وإزالة أي اتهام وإدانة لإسرائيل وجرائمها المستمرة خصوصًا في غزة. وفي سياق الاعتراف الدولي بعضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة، عطل فيتو أمريكي في ١٨ أبريل الماضي مشروع قرار قدمته الجزائر رغم حصوله على دعم اثني عشر عضوًا.
وفي 10 يونيو تبنى مجلس الأمن القرار (2735) المقدم من الولايات المتحدة الأمريكية، والذي تبنى خطة الرئيس بايدن لوقف إطلاق النار والتي أعلن عنها في 31 مايو، وقال إن إسرائيل قبلته. طالب القرار حماس بقبوله أيضًا، وحث الطرفين على تطبيق بنوده بشكل كامل بدون تأخير أو شروط. حيث حظي القرار بتأييد 14 عضوًا من أعضاء المجلس مع امتناع روسيا عن التصويت، ويدعو القرار إلى تنفيذ الاقتراح بدون شروط عبر ثلاث مراحل. وقد مررت روسيا مشروع القرار الأمريكي تلبية لرغبة المجموعة العربية. وقد قالت حماس أنها تقبل القرار ويعتبر القرار هو نفسه إطار العمل لجولات التفاوض بعد ذلك.
بالمحصلة، تصدت الولايات المتحدة لكل مقترحات وقف إطلاق النار، ووفرت غطاءً سياسيًا لحرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، وهنا نود الإشارة لأن قرارات مجلس الأمن اقتصرت على مساعي وقف حرب الإبادة الإسرائيلية ضد غزة، ووقف القتال بين الطرفين، ولم تأت القرارات على ذكر الحقوق السياسية للفلسطينيين وحقهم في التحرر من الاحتلال والاستقلال.
ويبقى مجلس الأمن هو الجهاز التنفيذي الرئيسي الذي تتسم قراراته بقوة ملزمة، ومعروف أن القرارات الملزمة لا تتخذ عكس رغبة الولايات المتحدة التي أنشأت هذه المنظمة حسب رؤيتها ومصالحها. هذا الأمر وغيره جعل الأمم المتحدة ومجلس الأمن تحديدًا عرضة للنقد وجعل أطرافًا دولية متعددة تطالب بإصلاح النظام الداخلي المؤسس لصلاحيات مجلس الأمن وتركيبته وحق النقض الفيتو.
وقد كانت المملكة السعودية في طليعة الدول التي طالبت بإصلاح مجلس الأمن، وذلك انطلاقًا من رؤيتها الشاملة لدورها الإقليمي والدولي تجاه صيانة الأمن والسلم الدوليين، وقد شكل الموقف السعودي عام 2013م، سابقة تاريخية عندما رفضت عضوية مجلس الأمن، ارتباطًا بحالة الفشل التي وصل إليها المجلس في معالجة قضايا الأمن الدولي، حيث دعت السعودية لإحداث تغييرات هيكلية لمجلس الأمن، وإيجاد آليات تمكنه من الوفاء بالتزاماته، وذلك استجابة للتطورات الجيوسياسية العالمية التي تبرز بوضوح على الساحة الدولية، بالإضافة لحالة الضعف والتهميش التي باتت سمة واضحة لأجهزة الأمم المتحدة بما فيها محكمة العدل الدولية، والفشل في وضع آليات ملزمة لتطبيق القرارات الدولية الصادرة عن أجهزة المنظمة بخصوص القضية الفلسطينية.
فقد حالت آلية عمل المجلس الحالية، إلى جانب ازدواجية المعايير ومساعي الأعضاء الدائمين لتسيس المجلس دون أداء دوره ومسؤوليته اتجاه الأهداف والمقاصد الرئيسية للأمم المتحدة، في ظل التغييرات المتلاحقة التي طرأت على النظام الدولي والفشل في تحقيق اختراق في مسألة إصلاحه، رغم أن الجهود ومساعي الإصلاح تعود لأكثر من ثلاثة عقود.
كذلك نتساءل هنا عن دور مجلس الأمن والمنظمات الدولية التي تعنى بحماية التراث الإنساني، جراء تدمير إسرائيل للمواقع الأثرية في غزة من مساجد وكنائس، حيث تهدف إسرائيل لشطب الإرث الحضاري والمعالم التراثية لمدينة غزة.
- تعامل الجمعية العامة مع القضية الفلسطينية خلال الحرب الإسرائيلية على غزة:
تمثل الجمعية العامة للأمم المتحدة ضمير العالم وصوت الأمم المنكوبة والمظلومة، وفيها تتحقق المساواة بين الدول كبيرها وصغيرها بخلاف مجلس الأمن الذي يمكن لعضو دائم واحد شله ومنعه من إصدار قرارات.
أصدرت الجمعية العامة العديد من الدعوات لوقف الحرب واستنكرت وشجبت المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في غزة، واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة في ٢٤ أكتوبر بأن الهجمات الحمساوية لا تبرر العقاب الجماعي للفلسطينيين وطالب بضرورة حماية المدنيين، ودعا لوقف فوري لإطلاق النار، محذرًا من مخاطر تصاعد الحرب في المنطقة.
في سياق النضال السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، فقد حققت الدبلوماسية الفلسطينية إنجازًا تحرريًا ودوليًا مهمًا، حين اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة وبأغلبية 143 صوتًا قرارًا 10 مايو 2024م، بموجب اقتراح قدمته المجموعة العربية يدعم طلب فلسطين للحصول على عضوية كاملة بالأمم المتحدة، ويوصي مجلس الأمن بإعادة النظر بشكل إيجابي. ويعكس تمرير القرار بالأغلبية أن دولة فلسطين مؤهلة تمامًا لعضوية الأمم المتحدة وفقًا لميثاقها، ويشير إلى تأييد واسع من الدول الأعضاء لقبول عضوية فلسطين بالمنظمة.
يمنح القرار امتيازات وحقوق تتعلق بمشاركة دولة فلسطين في دورات وأعمال الجمعية العامة والمؤتمرات الدولية التي تعقد تحت رعايتها وسائر أجهزة الأمم المتحدة، ويؤكد القرار مجددًا حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وحقه في إقامة دولته المستقلة، ويدعو القرار المجتمع الدولي إلى بذل جهود متجددة ومنسقة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ عام 1967م، والتوصل إلى تسوية سلمية عادلة ودائمة لقضية فلسطين والصراع الإسرائيلي الفلسطيني وفقا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
وفي تعبير عن مدى استخفاف إسرائيل بالأمم المتحدة ورؤية المجتمع الدولي والشرعية الدولية هاجم السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة جلعاد إردان الجمعية العامة بقوله: "لقد اختارت هذه الهيئة الوقحة مكافأة النازيين المعاصرين بالحقوق والامتيازات"، معتبرًا أن الجمعية العامة ترتكب "ذنبًا لا يغتفر"،
كما هدد روبرت وود نائب السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة باستخدام الفيتو ضد القرار في حال تلقى مجلس الأمن طلب عضوية فلسطين. وأوضح أن قرار الجمعية العامة لا يغير وضع الفلسطينيين كبعثة مراقبة غير عضوة ولن تحصل على حق التصويت في الجمعية العامة، أو الترشح لعضوية مجلس الأمن.
وفي مناسبة تحاول من خلالها الجمعية العامة إعلان موقفًا أخلاقيًا من الحقوق الفلسطينية، قامت في مايو 2024م، بإحياء ذكرى النكبة الفلسطينية الـ 76 (للمرة الثانية) خلال فعالية نظمتها اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف. تحت عنوان "1948-2024م: النكبة الفلسطينية المستمرة"، وناشدت خلالها اللجنة المجتمع الدولي مضاعفة جهوده لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي. ويذكر أن المرة الأولى جاءت وفقًا لقرار اعتمدته الجمعية العامة في 30 نوفمبر 2022م.
- قرارات محكمة العدل الدولية:
في 29 ديسمبر 2023م، وعلى إثر حرب الإبادة الإسرائيلية ضد غزة وشعبها تقدمت دولة جنوب إفريقيا بدعوى لمحكمة العدل الدولية لمقاضاة إسرائيل على خلفية تورطها في أعمال الإبادة الجماعية التي تقوم بها في غزة وتضمنت الدعوى مطالبات بوقف العمليات العسكرية فورًا واتخاذ كافة التدابير لمنع الإبادة الجماعية، وقد أعلنت العديد من الدول منها إسبانيا والمكسيك ومصر وكوبا وتشيلي انضمامها ودعمها للدعوى.
وعادت جنوب إفريقيا في 10 مايو بطلب عاجل للمحكمة لإصدار تدابير مؤقتة إضافية لمنع جريمة الإبادة الجماعية وأن تأمر المحكمة إسرائيل بالانسحاب من رفح، وإتاحة الوصول للبعثات الإغاثية وبعثات تقصي الحقائق إلى غزة دون عوائق، وأن تقدم تقريرًا خلال أسبوع بمدى تنفيذها لقرار المحكمة. لكن إسرائيل وردًا على هذا الإجراء قامت بتوسيع اجتياحها لرفح وإغلاق المعابر ما زاد من الأزمة الإنسانية في القطاع، علقت إسرائيل على ذلك بأن لا شيء سيردعها عن مواصلة حربها ضد حماس، وهددت إسرائيل ومعها الولايات المتحدة بالانتقام كذلك من محكمة الجنايات الدولية وموظفيها وفرض عقوبات عليها في حال أصدرت أوامر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين.
وفي 24 مايو أصدرت المحكمة قرارًا تأمر بموجبه إسرائيل بأن توقف هجومها العسكري في مدينة رفح فورًا لمنع استمرار الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين، وذلك وفقًا لالتزامات إسرائيل بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، وأمرت إسرائيل بضرورة تنفيذ تدابير المحكمة جميع مناطق قطاع غزة، وتقديم تقرير للمحكمة في غضون شهر توضح فيه مدى التزامها بالقرار، وشددت المحكمة أن قراراتها بالتدابير المؤقتة لها طابع ملزم بحسب المادة ٩٤ من الميثاق، لكن الثغرة تكمن في وجوب العودة لمجلس الأمن ليقرر التدابير التي يتعين اتخاذها لتنفيذ القرار، بمعنى أن قرار المحكمة ضد إسرائيل ملزم في ذاته، لكنه لا يمتلك القوة التنفيذية لتطبيقه إلا بالعودة لمجلس الأمن الذي يمتلك السلطة التقديرية والتنفيذية الموسعة. وكذلك فإن الحكم النهائي للمحكمة في موضوع الدعوى قد يستغرق سنوات.
خاتمة
تنتهك إسرائيل المعايير الدولية وميثاق الأمم المتحدة لكنها تبدو محصنة من المساءلة، بما يعكس اختلال العدالة الدولية، والنظام الدولي الذي تأسست بموجبه هذه المنظمة. فالصراع يتصاعد في المنطقة بينما يعجز العالم ومجلس الأمن عن وقف حرب الإبادة في غزة مع استمرار نكبة الفلسطينيين منذ عام 1948م، وإلى الآن.
لقد قامت الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية على مبادئ سامية لا يختلف عليها أحد، وحددت حفظ الأمن والسلم الدوليين هدفًا رئيسًا لها. لكن المؤسسة الأممية ظلت تعاني التعطيل والتهميش بفعل الهيمنة الأمريكية عليها، خصوصًا في الصراعات التي تكون الولايات المتحدة أو أحد حلفاؤها طرفًا فيها. ولم تخف قيادات أمريكية هذا التعامل مع الأمم المتحدة من موقع المهيمن، ويؤكد ذلك أنه يسمح فقط بتمرير قرارات في مجلس الأمن إذا كانت تتماهى مع الرؤية والمصالح الأمريكية.
ومعروف أن إسرائيل ترتبط بالولايات المتحدة بعلاقة عضوية، وهي قاعدتها المتقدمة في الشرق الأوسط التي من خلالها تمرر كل سياساتها الإمبريالية الاستعمارية. وهذا يفسر الدعم الأمريكي غير المحدود لدولة الكيان الصهيوني، والتي تجلى خلال الحرب في غزة، حيث تعتبر الولايات المتحدة شريكة في الحرب على غزة من خلال الدعم العسكري المباشر ومنع صدور قرارات دولية ضدها.
ومن خلال تقييم دور الأمم المتحدة الملتبس تجاه القضية الفلسطينية عمومًا والحرب على غزة خصوصًا، يظهر دور الولايات المتحدة التي تهيمن على المنظمة وقدرتها على تطويع قرارات مجلس الأمن بما يتناسب مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية .
في سياق آخر، تتخذ إسرائيل مؤخرًا خطوات لاعتبار وكالة الأونروا منظمة إرهابية وبرغم المحاولات الإسرائيلية والأمريكية لتهميشها وإنهاء دورها عبر التحريض ضدها ووقف تمويلها ما يمثل انتهاكًا للالتزامات الدولية بشأن القضية الفلسطينية، وبالتالي إنهاء ملف اللاجئين الفلسطينيين، وهو مخطط إسرائيلي تسعى إلى تحقيقه بكافة الوسائل. في المقابل، أعادت ١١٨ دولة مؤخرا تمويلها لوكالة الأونروا وأكدت على أهمية دورها الحيوي في انقاذ حياة اللاجئين الفلسطينيين. هذا الإنجاز جاء عبر (مبادرة الالتزامات المشتركة) التي أطلقتها الكويت والأردن وسلوفينيا. وهذا يعكس التوجه الدولي العام من الرواية الفلسطينية ومساندة الحقوق والمطالب الفلسطينية، لذلك يتوجب على الدبلوماسية الفلسطينية والعربية عمومًا زيادة جهودها الدبلوماسية وتوظيف أدواتها الناعمة للضغط على إسرائيل لوقف الحرب.
كذلك، فإن عجز الأمم المتحدة ومجلس الأمن عن تطبيق قراراته وتحديدًا القرار ٢٧٣٥ (الذي تبنى مبادرة الرئيس بايدن للتوصل لصفقة توقف الحرب)، يعطي المجموعة العربية وتحديدًا المملكة العربية السعودية المساحة والمبرر لأن تعيد طرح مبادرتها بشأن إصلاح مجلس الأمن الذي يشله الفيتو.