لقد خص الله بلاد فلسطين بموقع فريد، ومناخ معتدل ووفرة في المياه وبالتالي بيئة صالحة للزراعة، ما جعلها نقطة جذب حضاري منذ فجر التاريخ، وفيها ظهرت حضارات قديمة بما يؤكد وفرة الماء والغذاء في فلسطين على مر العصور، لكن الصراع على هذه الأرض بمنطلقاته السياسية والاقتصادية والدينية هو سبب الأزمات في الماء والغذاء، لذلك استهدف الاستيطان الإسرائيلي السيطرة على الأرض وما في باطنها من ماء. فكلما قلت المياه قلت الأراضي المزروعة، وزادت معها أزمة الغذاء، وارتفع معدل الجوع وانعدام الأمن الغذائي.
وفي هذا السياق لا يمكن فصل أزمة الماء والغذاء عن فقدان الأمن بمفهومه الشامل، في ظل استمرار حرب الإبادة الجماعية في غزة، من حيث فقدان الشعور بالأمن والحاجات الأساسية من مياه وغذاء، والتي لا يمكن فصلها عن أزمة الطاقة والصرف الصحي. فقد استخدمت إسرائيل الحاجات الأساسية للفلسطينيين سلاحاً خلال حربها على غزة، ومع استمرار الحرب لقرابة العام تتكشف آثار كارثية لأزمة الماء والغذاء والصرف الصحي.
وكون الموضوع واسع ومتشابك ومرتبط بموضوعات وعوامل أخرى، فسوف نناقش هنا الأسباب السياسية لأزمة الماء والغذاء في الأراضي الفلسطينية، مع التركيز على تداعيات حرب الإبادة في غزة على الأمن المائي والغذائي في الضفة الغربية وقطاع غزة.
أولاً: الصراع على المياه: مخططات استعمارية قديمة وأزمات حديثة:
أدركت الحركة الصهيونية مبكرًا أن المياه أصل الحياة، وأن نجاح استعمارها في فلسطين واستمراره مرهون بالسيطرة على المياه، وبالتالي الزراعة واستغلال الأرض، فمنذ الهجرات اليهودية إلى فلسطين أقام المهاجرون اليهود مستوطناتهم فوق خزانات المياه الجوفية ووديان وأراضي سهلية خصبة تصلح للزراعية، كذلك المناطق الساحلية على البحر المتوسط التي تربطها بطرق التجارة الدولية.
وحتى منتصف القرن الماضي فشلت كل أطروحات التوفيق واحتواء الصراع بين العرب واليهود، وعندما قررت بريطانيا إنهاء انتدابها والانسحاب من فلسطين في مايو 1947م، قامت العصابات الصهيونية بالسيطرة على أكثر مناطق فلسطين خصوبة، ويعود ذلك للأهمية والقيمة المائية والغذائية لنوعية الأرض، فيما تركت المناطق الأقل ماء وخصوبة للعرب، وجاء قرار التقسيم 181 في نوفمبر 1947م، ليعترف بالدولة اليهودية بعيدًا عن أي عدالة توزيعية من حيث وفرة المياه وصلاحية الأرض للزراعة.
عززت المخططات الصهيونية عمليّاً ارتباط المهاجرين الجدد بالأرض والزراعة ودعمت تطوير (الكيبوتسات)، وهي تجمعات استيطانية يقوم نشاطها الأساسي على الزراعة، وركزت إسرائيل لاحقًا على الاستثمار في الزراعة، وهذا يفسر التقدم الهائل الذي حققته إسرائيل في مجال التكنولوجيا الزراعية عالميًا.
كما لم تخف الصهيونية الدينية مطامعها في مياه نهر النيل، والقائمة على ادعاء بأن حدود دولة إسرائيل من النيل للفرات، لذلك ذهبت في السنوات الأخيرة لإقامة مشاريع استراتيجية على منابع النيل في إثيوبيا، ونرى بأن هذا الادعاء مدفوع بهدف استراتيجي أكثر منه دافعًا دينيًا.
في المقابل عمدت حكومات الاحتلال المتعاقبة لمحاصرة وإفشال القطاع الزراعي الفلسطيني، والتحكم بالأدوات الاقتصادية، مثل طرق التصدير والتكنولوجيا الزراعية، بالإضافة لتدمير الأراضي الزراعية وآبار الماء، في المناطق الفلسطينية.
ثانيًا: الواقع المائي والغذائي في الأراضي الفلسطينية قبل الحرب:
يقوم المشروع الصهيوني الاستعماري على فكرة الإحلال والسيطرة على الأرض وطرد سكانها، وإحلالهم بمستوطنين يهود، لذلك حرم الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين من الاستفادة من مياه نهر الأردن منذ عام 1967م، والتي تقدر بنحو 250 مليون متر مكعب، وكذلك مياه البحر الميت، كما تمنع الفلسطينيين في الضفة الغربية من حفر الآبار واستغلال ثرواتهم المائية، فإسرائيل تتعامل مع المياه كعنصر استراتيجي لضمان وجودها ولارتباطها المباشر بالأمن الغذائي.
وتحظى قضية المياه بأهمية خاصة كونها أحد قضايا الحل النهائي للقضية الفلسطينية التي تم تأجيلها في اتفاق المبادئ (أوسلو)، أي أن أزمة المياه في فلسطين هي قضية سياسية بالأساس ترتبط بوجود الاحتلال الإسرائيلي، وتعتمد المقالة على إحصاءات وردت في دراسات وتقارير منشورة.
يقل استهلاك الفرد الفلسطيني اليومي من المياه عن المعدلات العالمية (100 لتر)، حيث يصل في الضفة إلى 84.2 لترًا، وفي غزة لحوالي 86.6 لترًا قبل الحرب، وذلك بسبب سيطرة إسرائيل على أكثر من 85% من المصادر المائية، بالإضافة لارتفاع نسب التلوث في المياه الجوفية التي تمثل للفلسطينيين ما نسبته 79% من المياه المتاحة.
ففي قطاع غزة أدى انخفاض مستوى المياه الجوفية (جراء الضخ الجائر من الحوض الساحلي) إلى تسرب مياه البحر والصرف الصحي للحوض، حيث أصبح 97% من مياه الحوض الساحلي غير متوافقة مع معايير منظمة الصحة العالمية بحسب تقارير 2019م، وهو ما جعل حصة الفرد من المياه العذبة في غزة تصل فقط إلى 26.8 لترًا، ما استدعى التدخل لإنقاذ الوضع المائي الكارثي في القطاع، عبر إنشاء محطات التحلية ومحطات الصرف الصحي.
تشير الإحصاءات لعام 2019 م، أن 40% فقط من الأفراد في الضفة الغربية وقطاع غزة يحصلون على مياه خالية من التلوث، وتتراوح النسب بشكل كبير، ففي الضفة الغربية تصل إلى 66%، بينما تصل نسبة المياه المحلاة في غزة إلى 5.5% فقط في قطاع غزة وتقدمها شركة (ميكوروت) وفقًا للاتفاقيات مع السلطة الفلسطينية، بمعنى أن غزة كانت تعاني قبل الحرب من قلة المياه وجودتها، وقد شرعت سلطة المياه الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة بتدشين محطات تحلية بقدرة محدودة في قطاع غزة، حيث بلغ معدل إنتاج محطات تحلية المياه الثلاث في قطاع غزة حوالي 3.85 مليون متر مكعب عام 2021م، وبدأت ترتفع كميات المياه المحلاة بعد تشغيل محطة التحلية المركزية جنوب قطاع غزة والتي تعمل بقدرة إنتاجية تصل إلى 20 ألف متر مكعب يوميًا، لكن الحرب أوقفت تطوير هذه المحطة من قبل الاتحاد الأوروبي بقيمة 600 مليون دولار، حيث كان من المتوقع أن يتم تدشين المحطة عام 2030 لتقوم بإنتاج 55 مليون متر مكعب من المياه المحلاة سنويًا.
ولسد النقص في كمية المياه يقوم الفلسطينيون في الضفة وغزة بشراء حوالي 22% من احتياجاتهم المائية من شركة المياه الإسرائيلية (ميكوروت)، وتقدر كمية المياه المشتراة عام 2020 حوالي 90 مليون متر مكعب والتي ارتفعت لحوالي 100 مليون متر مكعب عام 2022 بحسب سلطة المياه الفلسطينية.
ويعاني سكان مدن وسط الضفة ورام الله من قلة ساعات وصل المياه أسبوعيًا، وفي محافظة الخليل تصل فترة القطع 15 يومًا، مما اضطر السكان لتغطية العجز عبر شرائها بالصهاريج وهي مكلفة جدا، حيث يصل ثمن الـ ٣ متر مكعب إلى 100 دولار.
وتشير تقارير المنظمات المتخصصة أن نسب الملوحة تتزايد في مياه الضفة الغربية عمومًا، وفي مياه نهر الأردن ومنطقة أريحا تحديدًا، كذلك فإن نهب إسرائيل للمياه من الآبار الجوفية بالضفة بطريقة مفرطة زاد من ملوحتها، بالإضافة لتلوث جزء كبير منها بالنترات، ليصل إلى 70 % في مدن شمال الضفة. ما يدفع المواطنين لشراء مياه معدنية للشرب.
من ناحية أخرى، حرصت إسرائيل على تبعية الاقتصاد الفلسطيني لها، فاتفاق باريس الاقتصادي لم يرسخ أي عدالة توزيعية وسلطوية، فإسرائيل تتحكم بمقومات الاقتصاد الفلسطيني؛ فتصادر الأراضي الزراعية وتحرم المزارعين من استغلال أراضيهم في المناطق المسماة (ج)، وبالتالي تراجع إنتاج المحاصيل الزراعية، والاعتماد على المنتجات الإسرائيلية ومنتجات المستوطنات التي هي بالأساس أراضي فلسطينية. وهذا يفسر إقدام المستوطنين المتطرفين على حرق المحاصيل الزراعية وقطع الأشجار، حيث تشير الإحصاءات لاقتلاع أكثر من 600 ألف شجرة مثمرة في الضفة الغربية بين عامي 1994 و2020م.
تعتمد إسرائيل سياسة ممنهجة لتدمير الاقتصاد الفلسطيني من خلال منع إدخال الأسمدة والمستلزمات الزراعة، في مقابل دعم قطاع الزراعة الإسرائيلي، خصوصًا في المستوطنات. وبالنتيجة؛ لجأ كثير من المزارعين لبيع أراضيهم أو التوقف عن الزراعة والذهاب للعمل في المستوطنات أو التجارة. كما يضطر سوق الضفة الغربية لسد حاجته من المنتجات الزراعية من محاصيل المستوطنات، والتي ترتفع أسعارها بكثير مقارنة بالمناطق اليهودية. وبالمحصلة، يستخدم الاحتلال الإسرائيلي مصادر المياه كسلاح لخنق الفلسطينيين وتعطيشهم وإفشال مشروعاتهم الزراعية وبالتالي قطع علاقتهم بالأرض ودفعهم للهجرة.
أما قطاع غزة وهو الشريط الساحلي بمساحة 365 كم2 فقط كان مكتفيًا ذاتيًا من الخضار تقريبًا قبل الحرب ويستورد غالبية السلع والمنتجات المصرية، ومنتجات أخرى عن طريق المعابر الإسرائيلية. وكانت الأسعار أرخص بكثير من مناطق الضفة والقدس، ولم يكن يعاني من أزمة في الغذاء، لكن المعاناة كانت بسبب ارتفاع بسبب البطالة خصوصًا بين الشباب لتصل 65% مع ارتفاع معدلات الفقر.
وبالنسبة للقدس الشرقية فيعاني سكانها العرب من فقدان العدالة التوزيعية في المياه، خصوصًا مع تصاعد وتيرة الاستيطان خلال السنوات الأخيرة، حيث تراجعت حصة الفرد العربي من المياه إلى ثُمن معدل استهلاك المستوطن اليهودي.
وتزود شركة إسرائيلية احتكارية (جيحون) المواطنين بكميات محدودة من المياه ثلاثة أيام بالأسبوع، وهي كميات غير كافية، لذلك يلجأ غالبية السكان لشراء خزانات للاحتفاظ بالمياه، أو تمديد وصلات غير نظامية للتزود بالمياه. أما بالنسبة للغذاء والمواد التموينية والزراعية فهي متوفرة؛ لكن أسعارها مرتفعة جدًا بالمقارنة بالأحياء اليهودية والمستوطنات، وذلك بسبب ازدواجية الضرائب المفروضة على التجار والمستوردين العرب.
ثالثاً: تأثير حرب الإبادة الإسرائيلية على الأمن المائي والغذائي لسكان غزة:
هناك تأثيرات مباشرة للحرب الإسرائيلية على غزة أفرزت أوضاعًا كارثية على السكان من حيث توفر المياه والغذاء، وظروفًا غير صالحة للحياة، ويمكن إجمال هذه التأثيرات من خلال النقاط التالية:
- أغلقت إسرائيل المعابر مع غزة منذ اندلاع الحرب بشكل كامل ومنعت إدخال المساعدات، وقلت الحبوب والسلع في الأسواق. كذلك نزح أكثر من مليون فلسطيني لمناطق جنوب وادي غزة بسبب المجازر الإسرائيلية بحق السكان، ما شكل ضغطًا كبيرًا على استهلاك الماء والمواد الأساسية، خصوصًا مع نفاذ الوقود بالكامل وانقطاع الكهرباء ما سبب أزمة عامة، خصوصًا وأن غزة ليس لديها مخزونات استراتيجية.
- نفوق الدواجن والماشية بسبب نفاذ الأعلاف مع توقف الدورة الزراعية، ما تسبب بارتفاع جنوني في الأسعار، حيث وصل سعر كيلو الدقيق لخمسة دولارات، وعصف الجوع بالأسر المستورة لفترة. كما تراجعت الأنشطة الاقتصادية إلى الصفر تقريبًا، حيث دمرت إسرائيل غالبية المصانع الموجودة في غزة، بالإضافة لنحو 20 ألف عامل كانوا يعملون بالداخل وفقدوا دخلهم، مما أفقر شرائح واسعة من السكان في غزة وصعّب مهمة توفير قوتهم اليومي.
- جرفت إسرائيل ثلثي أراضي غزة الزراعية تقريبًا، بفعل اجتياحها البري، وتقدر التقارير تدمير 60 ألف شجرة مثمرة في مدينة غزة فقط، وحُرم المزارعون من الوصول لأراضيهم، فتوقفت الدورة الزراعية مع نفاذ البذور والأسمدة اللازمة للزراعة.
- دمرت الحرب في غزة أكثر من 75% من آبار المياه، وشبكات الكهرباء، وتعطلت محطات التحلية والصرف الصحي، ما أفرز أزمة شديدة في المياه ومياه الشرب، ما دفع كثير من المواطنين لشرب مياه غير صالحة للشرب، وأحيانًا شراء ونقل المياه المحلاة بالصفائح والعبوات البلاستيكية مما يجعلها عرضة للتلوث، بالإضافة للارتفاع الكبير في أسعارها، وتراجعت حصة الفرد من المياه بين 3-15 لترًا بعد أن وصل الى 80 لترًا فترة ما قبل الحرب.
- أواخر نوفمبر الماضي وتحت الضغط الدولي سمح الاحتلال بإدخال كميات محدودة من المساعدات، مثل: مياه الشرب والمواد الأساسية لمناطق جنوب وادي غزة فقط إضافة لبعض البضائع التجارية، والتي لم يستطع كثير من الناس شراءها، في حين بقيت مناطق شمال وادي غزة تضربها المجاعة لأكثر من شهرين، ما اضطر السكان لطحن بقايا الأعلاف وأكل ورق الشجر أحيانًا، قبل أن يسمح بإدخال الدقيق وكميات قليلة من المساعدات، ولا يزال السكان هناك محرومون تمامًا من اللحوم والخضار والفواكه. وقد شهدت غزة انتشار الأمراض المرتبطة بسوء التغذية خصوصًا بين الأطفال حيث سجلت 40 حالة وفاة بسبب الجوع، وقد أكد برنامج الغذاء العالمي أن 96% من سكان قطاع غزة مفتقرون للأمن الغذائي.
- توقفت محطات الصرف الصحي وارتفعت نسب التلوث مع لجوء مخيمات النازحين وعشرات الآلاف من الخيام المنتشرة في قطاع غزة لإنشاء آلاف الحفر العشوائية للصرف الصحي، ما يزيد من تسرب مياه الصرف للمياه الجوفية، ما ينذر بكارثة صحية وبيئية. وقد وثقت منظمة الصحة العالمية انتشارًا لعدة أمراض خطيرة مثل: شلل الأطفال والسحايا والأمراض الجلدية خصوصًا بين الأطفال، بالتزامن مع قلة المياه ومواد التنظيف وضعف المناعة. بما يعكس صورة من صور العقاب الجماعي التي تمارسها إسرائيل ضد الغزيين.
- ارتفعت أسعار مياه الشرب للمستهلكين لقرابة ثمانية أضعاف، أما مياه الاستخدام؛ فمعدل استهلاك الفرد انخفض لأقل من 5 لترات يوميًا، ما يعني تراجع النظافة والتنظيف. وتمنع إسرائيل إدخال الأدوية ومواد التنظيف، بما يزيد التلوث وانتشار الأوبئة في ظل شلل القطاع الصحي في غزة. وكمحاولة للتهرب من جرائمها؛ وافقت إسرائيل مؤخرًا على توصيل خط كهرباء مخصص لتشغيل محطة التحلية جنوب قطاع غزة، ويتوقع أن يصل معدل انتاجها إلى 20 ألف متر مكعب يوميًا.
- وتؤكد التقارير أن الجيش الإسرائيلي قصف غزة بكميات هائلة من الفسفور الأبيض والمتفجرات ما سيترك آثارًا سلبية على جودة المياه الجوفية والأراضي الزراعية في المستقبل. والأخطر أن سياسة التجويع الممنهج ونقص الماء والغذاء الصحي لأشهر طويلة أنهك أجساد السكان في غزة وأضعف مناعتهم، خصوصًا فئة الأطفال والمراهقين المحرومين من البروتينات والمعادن اللازمة للنمو الطبيعي، بما ينذر بكارثة صحية وإنسانية في غزة ستمتد تداعياتها لأجيال.
وتنتهك إسرائيل المعاهدات والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان خلال الحروب والمنازعات المسلحة. بمعنى أن الأمن المائي والغذائي للفلسطينيين عمومًا مرهون بسياسات الاحتلال دون أي اعتبارات إنسانية أو أخلاقية.
رابعًا: تأثير الحرب الإسرائيلية في غزة على الأمن المائي والغذائي لسكان الضفة:
تستمر إسرائيل في مخططاتها للسيطرة على مصادر المياه وأراضي الضفة، ومحاربة قطاع الزراعة الفلسطيني بكل الأدوات والأشكال، فقد قامت مؤخرًا بحملة لمصادرة الأسمدة والمبيدات الزراعية من كبار المزارعين ومحلات البيع في مدن الضفة تحت مبررات أمنية، كما قلصت شركة المياه الإسرائيلية (ميكوروت) 40% من كميات المياه التي تبيعها لمصلحة المياه الفلسطينية في يونيو الماضي، مما قلل من كميات المياه الواصلة للفلسطينيين في الضفة لصالح المستوطنات اليهودية المقامة حديثًا.
كذلك فإن جزءًا كبيرًا من السكان في الضفة يشربون من مياه الصنابير رغم التقارير الأممية التي تتحدث عن عدم صلاحيتها للشرب، في حين يعتمد البعض على شراء المياه المعدنية للشرب. ويتوقع أن يشهد قطاع المياه في الضفة الغربية أزمة كبيرة بحكم تواصل قرصنة المستوطنات اليهودية للمياه الفلسطينية.
وعلى صعيد آخر، فقد حوالي 220 ألف عاملٍ فلسطيني من الضفة الغربية ممن يعملون بالداخل مصدر دخلهم منذ اندلاع الحرب، ويعتبر عمال الداخل محركًا أساسيًا للاقتصاد الفلسطيني، يترافق ذلك مع استمرار قرصنة إسرائيل لأموال الضرائب الفلسطينية (المقاصة)، ما دفع الحكومة الفلسطينية لصرف رواتب موظفيها منقوصة، بالإضافة لتسريح القطاع الخاص لجزء من الموظفين، هذه العوامل مجتمعة أدت إلى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين في الضفة الغربية، وأصبحت بعض الأسر تعاني في توفير قوتها اليومي في ظل ارتفاع الأسعار.
خاتمة
من الجدير هنا طرح مجموعة من التوصيات لمواجهة التدهور الذي يصيب الأمن المائي والغذائي في الأراضي الفلسطينية وذلك عبر:
- مطالبة المجتمع الدولي ومؤسساته الحقوقية وخصوصًا مجلس الأمن لتبني قرار ملزم بوقف الحرب على غزة فورًا، ورفع الحصار الإسرائيلي والاستعجال في إعادة ترميم وتشغيل خطوط الكهرباء اللازمة لتشغيل محطات التحلية ومحطات الصرف الصحي.
- تسريع التدخلات الإنسانية العاجلة لمحاربة انتشار الأمراض والأوبئة بين السكان والأطفال، عبر دعم القطاع الصحي وإدخال الأدوية والمنظفات والمساعدات، كذلك فتح المعابر التجارية لإدخال المواد الأساسية بما في ذلك الخضروات واللحوم والفواكه لشمال وادي غزة.
- مطالبة الجهات والمؤسسات الدولية الفاعلة مثل برنامج الغذاء العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) واليونيسيف بتكثيف برامجها للقضاء على الجوع في الأراضي الفلسطينية وخصوصًا قطاع غزة.
- تفعيل برامج إغاثية طارئة لدعم القطاع الزراعي وإدخال البذور والأسمدة والمعدات اللازمة لإعادة تشغيل الدورة الزراعية في قطاع غزة بأسرع وقت ممكن، وإعادة ترميم المنشآت الصناعية في القطاع، وتوفير بيئة جاذبة للاستثمار في قطاعات الزراعة والصناعة عبر إنشاء صندوق لدعم قطاع الزراعة الفلسطيني برعاية المؤسسات التنموية العربية والعالمية.
- رفع دعاوى قضائية لدى المحاكم الدولية لمقاضاة إسرائيل على جريمة التجويع المتعمد لمليوني فلسطيني، كذلك لحرمانها الفلسطينيين من حقهم في المياه باعتبارها حق أساسي من حقوق الإنسان، والمطالبة بالمساواة المائية وبحق الفلسطينيين في مصادر المياه العذبة خصوصًا مياه نهر الأردن.