array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 201

التفاوض الحل الأمثل للسد الإثيوبي وتشكيل لجنة ثلاثية دائمة للتنسيق حول الملء والتشغيل

الخميس، 29 آب/أغسطس 2024

كوكب الأرض أو الكوكب الأزرق يتميز عن باقي كواكب المجموعة الشمسية بوجود كميات ضخمة من المياه على سطحه، إلا أن المياه العذبة تشكل أقل من 2.5%، ويقع معظمها في القطبين الشمالي والجنوبي على هيئة جليد، نصيب المنطقة العربية منها ضئيل للغاية حيث يقدر بحوالي 300 مليار م3 تشكل أقل من 0.7% من المياه السطحية العالمية العذبة، رغم عدد السكان الذى يقترب من 500 مليون نسمة (6% من سكان العالم) عام 2024م. تقع المنطقة العربية في أشد مناطق العالم جفافاً والتي تقل فيها الأمطار، وترتفع فيها درجة الحرارة وتزيد معدلات البخر، ويبلغ نصيب الفرد 640 مترًا مكعبًا في 2023م، وهو أقل من الاحتياجات الضرورية التي تقدر عالميًا بحوالي 1000 م3 سنويًا.

 

مصادر المياه في المنطقة العربية:

 

تحظى المنطقة العربية بموارد مائية شحيحة نظرًا للموقع الجغرافي في الصحراء الكبرى الإفريقية وشبه الجزيرة العربية، والتي تشكل أكثر مناطق العالم جفافًا، حيث الأمطار القليلة والبخر الشديد، وقلة المياه السطحية المتجددة سنويًا، وبعض الخزانات الجوفية غالبًا غير متجددة.

مياه الأمطار:

يتراوح متوسط سقوط الأمطار بين صفر و1800 مم/سنة، ومتوسط البخر حوالي 2000 مم/سنة، تمثل مصر أكثر دول العالم في ندرة الأمطار بمتوسط سنوي حوالي 18 مم، كما تتركز الأمطار القليلة في المنطقة العربية على الشريط الساحلي للبحر المتوسط والتي تهطل شتويًا تاركة المنطقة بدون أمطار معظم العام، والتي تتغير أيضًا من عام إلى آخر نتيجة التقلبات المناخية العالمية.

تضرب السيول بعض المناطق العربية من خلال الأمطار الشديدة نتيجة بعض الأعاصير مثل إعصار دنيال الذي دمر مدينة درنة بليبيا في 10 سبتمبر 2023م، بعد انهيار سدى درنة وأبو منصور، والعاصفة التي ضربت اليمن والإمارات 14-16 أبريل 2024م.    

مياه الأنهار:

مع ندرة الأمطار تقل الأنهار حيث لا يتعدى عدد الأنهار الكبرى أكثر من أصابع اليد الواحدة هي أنهار النيل والفرات ودجلة وشبيلي-جوبا ونهر السنغال، تمثل الثلاثة أنهار الأول ثلثي الموارد المائية السطحية في المنطقة العربية بإجمالي حوالي 200 مليار م3، جميعها ينبع من دول غير عربية تساهم بأكثر من 50% من الإيراد السنوي لهذه الأنهار وتشهد مزيدًا من التوتر الذي قد يصل إلى الصراع.

 

المياه الجوفية:

 

مع ندرة الأمطار وقلة الأنهار يزداد الاعتماد على المياه الجوفية في معظم الدول العربية حيث تعتبر المصدر الثاني للمياه التقليدية، كما يوجد نوعان من المياه الجوفية في المنطقة العربية، متجددة وهي الأقل انتشارًا وتقدر بحوالي 42 مليار م3 سنوياً، وأخرى غير متجددة تقدر بحوالي 1500 مليار م3 تكونت منذ آلاف السنين في العصور المطيرة.

تساهم المياه الجوفية في ليبيا والسعودية بأكثر من 95 و85% من إجمالي المياه المستخدمة، على الترتيب، وأكثر من 50% في البحرين والأردن ولبنان وعمان وتونس والإمارات العربية المتحدة واليمن، وفى مصر والسودان يعتمد أساسًا بعض السكان في المناطق الصحراوية بعيدًا عن نهر النيل، على المياه الجوفية العميقة غير المتجددة مثل الواحات المصرية كفرافرة والبحرية والداخلة والخارجة وسيوة، وشمال دارفور في السودان. تعتمد أغلب الدول العربية، وخاصة في شبه الجزيرة العربية ومنطقة المغرب العربي، بشكل كبير على موارد المياه الجوفية (المتجددة وغير المتجددة) لتلبية الطلب المتزايد.

الاستغلال المفرط لبعض الخزانات الجوفية العربية أدى إلى انخفاض الضغط ومنسوب المياه، مما يتطلب ضخ المياه ميكانيكيًا، وكذلك تدهور جودة المياه بزيادة الملوحة، وتلوث الخزانات الجوفية قريبة من سطح الأرض من الأنشطة الزراعية والصناعية والمنزلية كما هو الحال في وادي ودلتا النيل في مصر، والمغرب وفلسطين (غزة)، والأردن وتونس، وغيرها. تدهور بعض الخزانات الجوفية في المنطقة العربية يتطلب ترشيد استخدامها خاصة في النشاط الزراعي والحفاظ عليها للجيل الحالي والأجيال القادمة كمياه شرب نفيسة.

 

المياه غير التقليدية:

 

مع ارتفاع الطلب وتناقص الإمدادات، تعتمد بعض الدول العربية بشكل كبير على مصادر مياه غير تقليدية، بما في ذلك تحلية مياه البحر، ومعالجة مياه الصرف الزراعي والصحي والصناعي، وغيرها من المصادر مثل حصاد مياه الأمطار واستمطار السحب.

تستحوذ الدول العربية عامة على حوالي 63% من مياه البحر المحلاة في 2023م، التي تشكل الطاقة فيها حوالي 50% من إجمالي التكلفة، ودول الخليج بصفة خاصة على حوالي 47% منها، وتأتى المملكة العربية السعودية في مقدمة دول العالم بنسبة أكثر من 18%.

تمثل المياه المحلاة في دول الخليج العربي أكثر من 75% من المياه المستخدمة وبخاصة الكويت التي تعتمد عليها بنسبة 95%، وتظل المياه المحلاة بتكلفتها الباهظة لا تحل مشكلة نقص المياه اللازمة للزراعة ليس فقط في المنطقة العربية ولكن في العالم أجمع، حيث تستخدم غالبًا للأغراض المنزلية بنسبة 62%، والصناعة 23%، وتوليد الكهرباء 6%، و2% لأغراض زراعية محدودة معظمها في الفنادق، و1% للأغراض العسكرية، و1% للسياحة.  

التحديات الداخلية لتنمية الموارد المائية في المنطقة العربية: 

 

يزداد الأمر صعوبة في المنطقة العربية ليس فقط بسبب ندرة المياه العذبة ولكن بكثرة المشاكل أو التحديات المتمثلة في الزيادة السنوية المطردة في عدد السكان مع تذبذب الإيراد المائي السنوي، وتزايد استهلاك الفرد مع ارتفاع مستوى المعيشة، وارتفاع درجات الحرارة وزيادة البخر، والتقلبات المناخية، وزيادة الطلب على المياه نتيجة التوسع الزراعي والعمراني، وتدهور الخزانات الجوفية غير المتجددة، وزيادة تلوث المياه السطحية وبعض المياه الجوفية، وبعض الاستخدامات غير الرشيدة للمياه مثل استخدام أكثر من 80% من المياه العربية في قطاع الزراعة وزراعة محاصيل شرهة للمياه مثل الأرز وقصب السكر واستخدام طرق ري تقليدية، والنزاع مع دول منابع الأنهار العربية التي تأتى من دول غير عربية.     

النزاعات الخارجية لتحقيق الأمن المائي في المنطقة العربية:

 

التحديات الخارجية لتحقيق الأمن المائي العربي تكمن في تدفق أكثر من 50% من مياه الأنهار العربية الرئيسية من منابع تقع في دول غير عربية تقوم بإنشاء سدود مائية على هذه الأنهار دون الالتزام بالاتفاقيات المبرمة معها، أو الأعراف الدولية أو قانون الأنهار الدولية لغير أغراض الملاحة، مما يؤدى إلى مزيد من التهديد المباشر للأمن المائي والغذائي في المنطقة العربية، وزيادة التوتر السياسي بين دول المنابع ودول المصب العربية، ومن أهم المناطق العربية التي تواجه المشاكل الخارجية للمياه ما يلي:

  • مصر والسودان مع دول منابع النيل الاستوائية (أوغندا – كينيا – تنزانيا – رواندا – بوروندي) ومنابع النيل الشرقي (إثيوبيا)، والذين كونوا مفوضية لحوض النيل تحت عنوان اتفاق التعاون الإطاري (CFA) أو ما يعرف باتفاق عنتيبي، والذي صدقت عليه مؤخرًا دولة جنوب السودان في 8 يوليو 2024م، وتعترض على بعض بنوده كل من مصر والسودان.
  •  العراق وسوريا مع تركيا التي ينبع منها 50% من مياه نهري دجلة والفرات، نتيجة قيام تركيا ببناء سلسلة من السدود في مشروع جنوب-شرق الأناضول "جاب" GAP لحجز كميات من المياه للري والزراعة وإنتاج الكهرباء، رغم وجود حوالي 10 اتفاقيات بين دول حوض دجلة والفرات لتنظيم تدفق المياه إلى سوريا والعراق، بدءً من معاهدة لوزان عام 1920م، إلى اتفاق سوريا والعراق عام 1990م.
  • سوريا وفلسطين والأردن مع إسرائيل التي تحتل منابع نهر الأردن بدءًا من هضبة الجولان السورية ومياه جنوب لبنان والضفة الغربية وغزة.
  • موريتانيا مع السنغال على مياه نهر السنغال، وتوجد عدة اتفاقيات بينهما للاستفادة من مياه نهر السنغال منها اتفاق 1974م بالاشتراك مع مالي والتي سميت بـــ OMVS.
  • الصومال مع إثيوبيا نتيجة إنشاء الثانية لبعض السدود على نهري شبيلي وجوبا.

 

حوض نهر النيل:

نهر النيل هو أطول أنهار العالم حيث يبلغ طوله 6800 كم، وتشكل مساحة حوض النهر حوالى 3.2 مليون كم2 (10% من مساحة القارة الأفريقية)، ورغم ذلك فإن إجمالي إيراده السنوي عند أسوان 84 مليار م3 فقط، وهو بذلك من أقل التصرفات النهرية على مستوى العالم، وهذه الكمية تمثل بقايا أو تصافى مياه الأمطار التي تسقط على دول المنابع، وهى تشكل نسبة 5% فقط من إجمالي الأمطار التي تسقط على حوض النيل (1661 مليار م3)، وحوالى 1% من جملة الأمطار التي تسقط على دول الحوض الاحدى عشر (7291 مليار م3)، وهى من المنبع إلى المصب: تنزانيا – جمهورية الكونغو الديمقراطية – أوغندا – كينيا – بورندي – رواندا – إثيوبيا – إرتريا – جنوب السودان – شمال السودان - مصر، ويسكن به أكثر من 180 مليون نسمة من إجمالي 595 مليون نسمة في 2023م (43% من سكان إفريقيا).

ينبع نهر النيل من مصدرين رئيسيين هما:

 

  • الهضبة الإثيوبية والتي تشارك بحوالي 71 مليار م3 (85% من إيراد نهر النيل).
  • هضبة البحيرات الاستوائية والتي تشارك بحوالي 13 مليار م3 (15% من إيراد نهر النيل).

يعتمد معظم سكان دول منابع حوض النيل على مياه الأمطار نظرًا للطبيعة الجيولوجية من مرتفعات وأودية، ويتدفق المتبقي 84 مليار م3 (1% من ايراد دول الحوض) من مياه الأمطار بعد ري الأراضي الزراعية والمراعي والغابات وملء البحيرات وشحن الخزانات الجوفية والبخر في دول المنابع، نحو السودان ومصر ثم البحر المتوسط، وتقاسمت مصر والسودان بعد إنشاء السد العالي في مصر 1971م، مياه النيل والمياه التي كانت تصب في البحر المتوسط بموجب اتفاقية 1959م.     

 

الصراع على المياه في حوض النيل:

 

الصراع على المياه عامة قديم بقدم الإنسان، وسوف يستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهذا ما دعا كثير من الدول إلى عقد اتفاقيات مشتركة لاستخدام المياه. ومن المتوقع أن يزداد هذا الصراع في السنوات القادمة. تعتمد مصر بصفة أساسية على مياه النيل حيث تشكل حصة مصر المائية من نهر النيل 55,5 مليار م3 حوالى 98% من المياه المتجددة سنويًا، وتمثل المياه الأخرى سواء الأمطار أو المياه الجوفية كمصادر ثانوية محدودة، ولذا النيل بالنسبة للمصريين هو الحياة منذ التاريخ القديم، وحرص المسؤولون في مصر على مدار التاريخ على حماية الأمن المائي المصري فكانت البداية توحيد مصر والسودان في العصر الفرعوني، ثم إرسال محمد على البعثات العلمية لكشف منابع النيل في 1839-1841م، ثم يتوالى عقد الاتفاقيات أو البروتوكولات التي تنص جميعها على عدم إنشاء أي أعمال هندسية من شأنها أن تضر أو تؤثر على تدفق مياه النيل إلى السودان ومصر، وتم توقيع هذه المعاهدات باسم الدولة أو الإقليم الإفريقي الخاضع لحكمها، ويعترف القانون الدولي باستمرار سريان مفعول هذه الوثائق، وتظل تمثل التزامًا وقيدًا على الدولة الوارثة طبقًا للقانون الدولي وخاصة اتفاقية فيينا لسنة 1978م، الخاصة بتوارث الدول للاتفاقيات، وعدم تعديلها أو إلغاؤها إلا باتفاق الدول الموقعة عليها، ومن أهم هذه الاتفاقيات ما يلي:

  • بروتوكول روما عام 1891م، بين بريطانيا نيابة عن مصر والسودان، وإيطاليا نيابة عن إرتريا.
  • اتفاق بروكسل 1894م، بين بريطانيا نيابة عن مصر والسودان والكونغو الديمقراطية.
  • بيان روما المشترك 1901م، بين بريطانيا نيابة عن مصر والسودان والكونغو الديمقراطية.
  • معاهدة أديس أبابا 1902م، بين بريطانيا نيابة عن مصر والسودان وإثيوبيا (الحرة) بشأن الحدود المصرية مع الحبشة (إثيوبيا)، ومنح منطقة بنى شنقول التي يقام عليها سد النهضة الإثيوبي إلى إثيوبيا، وتعھد فیھا ملك الحبشة بعدم تشیید أو السماح بتشیید أي عمل على النيل الأزرق وبحيرة تانا أو نھر السوباط من شأنھا منع جریان المیاه إلى النيل إلا بالاتفاق مع حكومة جلالة الملكة البريطانية وحكومة مصر والسودان.

تنكر الحكومة الإثيوبية هذه المعاهدة في مفاوضات سد النهضة، وتدعي بأنها معاهدات تم توقيعها في عهد الاستعمار، رغم أنها لم تستعمر من قبل سوى سيطرة إيطاليا 1936-1941م، ولم يعقد خلالها أي اتفاقيات، وعندما حدث صراع على الحدود الشرقية للسودان مع إثيوبيا استَشهد رئيس الوزراء الإثيوبي ابى أحمد بمعاهدة 1902 م، كوثيقة للحدود بين البلدين.

  • اتفاق لندن 1906م، بين بريطانيا وفرنسا وإيطاليا للتنسيق لحماية الحقوق المصرية في نهر النيل.   
  • رسائل روما المتبادلة بين بريطانيا نيابة عن السودان وإيطاليا للاعتراف بالحقوق المائية المصرية.    
  • رسائل القاهرة المتبادلة 1929م، بين مصر وبريطانيا (السودان – تنزانيا -أوغندا).
  • اتفاق لندن 1934م، بين بريطانيا نيابة عن تنزانيا وبلجيكا نيابة عن رواندا وبوروندي.
  • تبادل مذكرات (القاهرة) 1949م، بين مصر وبريطانيا نيابة عن أوغندا بخصوص بناء سد أوين (نالوبالى) على بحيرة فيكتوريا.
  • تبادل مذكرات (القاهرة) 1953 م، بين مصر وبريطانيا نيابة عن أوغندا استكمالًا لبناء سد أوين.
  • اتفاقية القاهرة 1959م، بين مصر والسودان وفيها الموافقة على بناء السد العالي، وتقاسم مياه النيل 55,5 مليار م3 لمصر، 18,5 مليار م3 للسودان، 10 مليار م3 فقط في البخر من بحيرة السد العالي.
  • تبادل مذكرات (القاهرة) 1991م، بين مصر وأوغندا استكمالًا لبناء سد أوين.
  • اتفاق القاهرة 1993 بين مصر وإثيوبيا فيه لا ينبغي لأي من البلدين أن يشرع في أي أعمال على نهر النيل من شأنها أن تضر وتؤثر على حصة وفوائد الدول الأخرى.
  • اتفاقية مبادرة حوض النيل 1999م، بين جميع دول حوض النيل بهدف تدعيم أواصر التعاون، وقد قام البنك الدولي وعدد من الدول المانحة بدور في تنفيذ بعض المشروعات.
  • إعلان مبادئ سد النهضة 2015م، بالخرطوم، وهو اتفاق يتكون من 10 بنود حول مبادئ التعاون، والتنمية، وعدم التسبب في ضرر ذي شأن، والاستخدام المنصف والمناسب، والتعاون في الملء الأول وإدارة السد، وبناء الثقة، وتبادل المعلومات والبيانات، وأمان السد، والسيادة ووحدة إقليم الدولة، والتسوية السلمية للنزاعات.
  • اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل (اتفاق عنتيبي) 2010م، وهى اتفاقية غير مكتملة ظهرت بعد عدم الاتفاق المنشود في تنفيذ مبادرة حوض النيل 1999م، قادت فيها إثيوبيا بعض دول المنابع للموافقة عليها، ولم توافق عليها دولتي المصب مصر والسودان، وهى امتداد لمبادرة حوض النيل ولكن من وجهة نظر دول المنابع، وتتكون من 45 مادة موزعة على ديباجة وستة أبواب، بالإضافة إلى ملحق للاتفاقية، ويدخل هذا الإطار حيز النفاذ في اليوم الستين التالي لتاريخ إيداع وثيقة التصديق أو الانضمام للدولة السادسة من الإحدى عشر دولة لدى الاتحاد الإفريقي.

 

نقاط الخلاف بين مصر والسودان مع دول المنابع على اتفاقية عنتيبي:

 

تتفق جميع دول الحوض على معظم بنود اتفاقية عنتيبي، إلا أن دولتي المصب مصر والسودان يعترضان عليها لأنها تتجاهل الاستخدامات القائمة والتاريخية لمياه النيل، ولا تعترف بالاتفاقيات السابقة وتعتبرها اتفاقيات تمت في عهد الاستعمار ولا تلائم العصر الحديث، وترى حق دول الحوض في استغلال المياه دون إخطار باقي الدول، في حين أن مصر والسودان يصران على ضرورة الإخطار المسبق حول أي مشاريع مائية على نهر النيل، كما أن الاتفاقية في المادة 6د تنص على حماية وصيانة الأراضي الرطبة (المستنقعات) في حوض نهر النيل، وقد يستغل ذلك في منع إقامة مشروعات مائية مثل السدود التي قد تجفف بعض هذه المستنقعات، كما أن مبدأ عدم التسبب في ضرر ذي شأن غير محدد، حيث أن دول المصب قد ترى نقص كمية ما من المياه ضررًا جسيمًا، في المقابل  فإن دول المنابع قد ترى ذلك النقص لا يشكل ضررًا ذي شأن.

نقطة الخلاف الأخيرة حول المادة 36 في حالة تعديل الاتفاقية الإطارية، حيث ترى مصر والسودان أن التعديل يجب أن يتم بالإجماع أو بموافقة الأغلبية على أن تشمل هذه الأغلبية مصر والسودان، بينما ترى دول المنابع على أن يتم اعتماد التعديل بأغلبية ثلثي الأصوات الدول الأطراف الحاضرة والمصوتة في الاجتماع، ثم يطرح على جميع الدول الأطراف للتصديق عليه أو قبوله أو الموافقة عليه.

بعض الايجابيات في اتفاقية عنتيبي:

رغم تحفظ مصر والسودان على النقاط السابقة إلا أنهما يتفقان على معظم مواد الاتفاقية التي بها من المواد الجيدة خاصة رقمي 3 و 5 بعدم الضرر ذي شأن، والعمل على إزالته أو التخفيف منه، ومناقشة مسألة التعويض حيثما كان ذلك مناسباً، والمادة 23 التي تنص على أن القرار يتم اتخاذه بالأجماع، وهذا يمنع انفراد دول المنابع التي تشكل الأغلبية بالقرار، وكذلك المادة 34أ الخاصة بحل النزاعات سلميًا فإنها نصت على أنه إذا لم تتمكن الدول المعنية من التوصل إلى اتفاق عن طريق التفاوض بناء على طلب إحداها، يجوز لها مجتمعة أن تطلب الوساطة أو التوفيق من قبل لجنة حوض نهر النيل أو أي طرف ثالث آخر، أو أن تتفق على إحالة النزاع إلى التحكيم، وفقا للإجراءات التي يعتمدها المجلس، أو إلى محكمة العدل الدولية.

التوقيع أو التصديق على اتفاقية عنتيبي:

اتفقت دول المنابع على عرض الاتفاقية الإطارية للتوقيع في 14 مايو 2010م، حتى 13 مايو 2011م، ووقعت عليها كل من وزراء الري في إثيوبيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا في عنتيبي في ذلك التاريخ، ثم كينيا بعد خمسة أيام في 19 مايو 2010م، وبوروندي في 28 فبراير 2011م.

صدق على الاتفاقية برلمان خمسة دول هي إثيوبيا في 13 يونيو 2013م، ورواندا في 28 أغسطس 2013م، وتنزانيا في 26 مارس 2015م، وأوغندا في 15 أغسطس 2019م، وبوروندي 23 أغسطس 2023م، وتداولت الأوساط الإعلامية تصديق برلمان جنوب السودان في 8 يوليو 2024م ولم يرسل التصديق إلى الاتحاد الإفريقي بعد.

جنوب السودان لم توقع الاتفاقية لأنها لم تكن موجودة كدولة في فترة العام المسموح بها للتوقيع، حيث أنها نشأت في 9 يوليو 2011م، والتحقت بمبادرة حوض النيل في 5 يوليو 2012م، ولكن يمكنها اللحاق بالتصديق، وطبقًا للمادة 43 يدخل هذا الإطار التعاوني حيز التنفيذ في اليوم الستين التالي لتاريخ إيداع وثيقة التصديق أو انضمام الدولة السادسة لدى الاتحاد الإفريقي.

 

لماذا تصديق جنوب السودان في هذا التوقيت وتأثيره على مصر؟

انفصلت جنوب السودان في 9 يوليو 2011م، ولم تصدق على الاتفاقية طوال 13 عامًا. دولة جنوب السودان ليست من دول المنابع أو من دول المصب بل هي دولة ممر لنهر النيل، وتعتمد أساسًا على مياه الأمطار التي تهطل تقريبًا على مدار العام، وعندها وفرة مائية كبيرة على هيئة أنهار ومستنقعات ولا تحتاج إلى مياه النيل، ولذلك لم تطلب نصيبها من دولة السودان في حصة مياه النيل السنوية طبقًا لاتفاقية 1959م، ومقدارها 18.5 مليار م3، ولا يوجد لديها خطة لمشروعات مائية على نهر النيل تحتاج لتنفيذها دعم من تطبيق الاتفاقية، وبالتالي كما يقول المثل المصري "ليس لها في الثور أو الطحين" أي أنها غير مستفيدة أو متضررة من الاتفاقية، وفى الوقت نفسه هي تعلم أن التصديق ليس في مصلحة مصر أو السودان، وبالتأكيد التصديق يغضب الدولة المصرية وهذا ما جعلها لا تصدق طوال السنوات السابقة، إذن لماذا الآن؟ هل كانت تنتظر شيء من الحكومة المصرية ولم تحصل عليه؟ أم أن هناك دولة ما قامت بدعم إثيوبيا في تشجيع جنوب السودان بوسيلة ما على التصديق حتى تعطى إثيوبيا الحجة في تنفيذ اتفاقية عنتيبي؟ والاحتمال الثاني هو الأقرب.  

تصديق برلمان جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي، وبعد إبلاغ الاتحاد الإفريقي تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ وتطبق على الدول الموقعة عليها، وليس للاتفاقية أثرًا قانونيًا على الدول التي لم توقع أو تصدق عليها وهي ليست ملزمة لهم، ومن الناحية العملية فإن اتفاقية عنتيبي ينقصها وجود الطرف الآخر وهو دولتي المصب، ولا ينبغي للهيئات الدولية أن تتعامل مع طرف واحد دون الآخر في حوض النيل خاصة إذا كان الأمر يتعلق بأحد المشروعات المائية التي يمكن أن تؤثر سلبًا على مصر والسودان.

 

الحل لمشكلة حوض النيل:

 

حاولت إثيوبيا جاهدة جذب دول الجوار بجانبها في نزاعها مع مصر والسودان حول سد النهضة، فقد طلبت في مفاوضات واشنطن حصة مائية لها ولدول المنابع التي طلبت أن يحضروا المفاوضات ويطلبوا نصيبهم بأنفسهم في محاولة لخلق جبهة قوية تضم دول المنابع، ولم تنجح في ذلك، وحاولت استخدام ورقة اتفاقية عنتيبي والضغط على مصر للتوقيع عليها، وظهر ذلك بوضوح عندما طلبت مصر بيانات عن مشروع إكس (سد النهضة حاليًا) في فبراير 2011م، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل مليس زيناوي أن بلاده لن تمد مصر بأي معلومات قبل أن توقع على اتفاقية عنتيبي.

مما سبق يتبين أن هناك شد وجذب بين مصر وإثيوبيا من قبل 2010م، حتى الآن حول اتفاقية عنتيبي تارة وسد النهضة تارة أخرى، وهذا ليس في صالح الدولتين أو باقي مجموعة دول حوض النيل، وبالتالي الطريق الأفضل للجميع هو الجلوس على مائدة المفاوضات في ظل وجود بعض دول حوض النيل المعتدلة في علاقاتها مع الطرفين مثل تنزانيا والكونغو الديمقراطية لإعادة مناقشة أهم الخلافات في بنود الاتفاقية والوصول إلى صيغة وسط ترضي جميع الأطراف للبدء في التعاون من أجل صالح شعوب حوض النيل.

 

أضرار سد النهضة الإثيوبي:

بدأت إثيوبيا في بناء سد النهضة في 2 أبريل 2011م، تحت اسم سد الألفية الإثيوبي العظيم بسعة تخزينية قدرها 74 مليار م3، بتكلفة قدرها 4.7 مليار دولار أمريكي (تعدت حاليًا 8 مليارات دولار أمريكي) على أن ينتهي في صيف 2017م، أوشكت الأعمال الإنشائية للسد على الانتهاء هذا الصيف 2024م، بينما أعمال الميكانيكا والكهرباء لتركيب 13 توربينا لم تنته بعد حيث تم تركيب توربينين عام 2022م، والثالث تحت الاختبار وجارى تركيب أربعة آخرين خلال الأشهر القادمة.

خزنت إثيوبيا على مدار السنوات الأربع الماضية حوالي 41 مليار م3، وجارى حاليًا التخزين الخامس الذي بدأ في 17 يوليو 2024م، ومن المتوقع أن ينتهي بتخزين حوالي 23 مليار م3 في الأسبوع الثاني من سبتمبر 2024م بإجمالي تخزين حوالي 64 مليار م3، وبذلك يعتبر التخزين الأخير وبه تكتمل سعة السد الفعلية بحوالي 64 مليار م3 بسبب إنشاء مفيض بدون بوابات وسط السد بطول حوالي 220 م، ومنخفضًا عن الأجناب بحوالي 5 م مما يخفض التخزين المعلن من 74 إلى 64 مليار م3.

تتنوع أضرار التخزينات المتتالية في سد النهضة بين مائية وسياسية وقانونية وبيئية، أهمها فرض سياسة الأمر الواقع والهيمنة الإثيوبية على النيل الأزرق، مع إمكانية تكرار ذلك عند إنشاء سدود مستقبلية، بالإضافة إلى الخسارة الاقتصادية الكبرى بفقد مصر لكل المياه المخزنة في إثيوبيا حيث أن مجراها الأصلي كان نحو بحيرة السد العالي في مصر، وما يتبعها من خسائر في اضطرار مصر لترشيد استهلاك المياه على حساب الزراعة، وإقامة مشروعات مائية مكلفة عشرات المليارات من الدولارات الأمريكية كمحطات معالجة مياه الصرف الزراعي وتبطين الترع وإقامة الصوب الزراعية وتطوير الري الحقلي إلى حديث، وتقليص مساحة زراعة الأرز، واستبدال أصناف زراعية بأخرى أقل استهلاكًا للمياه، وغيرها. 

ويظل خطر انهيار سد النهضة أهم الأضرار المستقبلية نتيجة العوامل الجيولوجية المتعددة من وجود الأخدود الإفريقي العظيم في إثيوبيا، وما اتبعه من نشاط زلزالي هو الأكثر في القارة الإفريقية، وجبال بركانية بازلتية شاهقة تصل إلى أكثر من 4660متر فوق سطح البحر، وأمطار فريدة حيث كميات كبيرة في موسم مطري صيفي قصير مما يسبب فيضانات جارفة من أعالي الجبال إلى مستوى سد النهضة .   

 

مفاوضات سد النهضة:

 

خاضت مصر والسودان وإثيوبيا مفاوضات ثلاثية خلال الثلاثة عشر سنة الماضية من خلال ثماني جولات متفرقة بدأت بمناقشات بين الدول الثلاث فقط حتى أكتوبر 2019م، حين دعت أمريكا الطرفين مصر والسودان، وإثيوبيا للتفاوض تحت رعاية أمريكية في وجود البنك الدولي، ولكنها فشلت في الوصول إلى اتفاق قانوني وانتهت في 29 فبراير 2020م، ولجأت مصر والسودان إلى مجلس الأمن مرتين في يونيو 2020م، ويوليو 2021م، إلا أنه فشل أيضًا ورفع يده بدعوى أنه غير متخصص في شؤون المياه، وأعاد الملف إلى الاتحاد الإفريقي الذى عقد أول اجتماع قمة مصغرة مع رؤساء الدول الثلاث في يونيو 2020م قبل جلسة مجلس الأمن الأولى بثلاثة أيام، وتوالى تغيير رؤساء الاتحاد الإفريقي على الملف خلال السنوات الخمس الأخيرة (جنوب إفريقيا – السنغال – الكونغو الديمقراطية – جزر القمر -موريتانيا) دون أي تقدم، وكانت آخر الجولات في يوليو -  ديسمبر 2023م، وأعلنت مصر انتهاء الجولة دون التوصل إلى أي نتائج، وأنها ستراقب عن كثب عملية ملء وتشغيل السد وأنها تحتفظ بحقها المكفول بموجب المواثيق والاتفاقيات الدولية للدفاع عن أمنها المائي والقومي في حالة تعرضه للضرر.

 

الحل لمشكلة سد النهضة:

 

يظل التفاوض هو الحل الأمثل للطرفين رغم صعوبته، وتعنت الطرف الإثيوبي وعدم استجابته وتغيبه عن توقيع مشروع اتفاق واشنطن في فبراير 2020م، مع توفر إرادة سياسية خاصة من الطرف الإثيوبي للوصول إلى حل بناء على إعلان مبادئ سد النهضة 2015م، وتشكيل لجنة فنية دائمة من الدول الثلاث تباشر وتنسق فيما بينها طريقة الملء المتكرر بعد أن أوشك الملء الأول على الانتهاء، والتشغيل في السنوات القادمة خاصة في حالة الجفاف بما يحقق مصالح الدول الثلاث دون التسبب في أي ضرر ذي شأن، والتعاون معًا لإقامة مشروعات مائية وزراعية مشتركة، وعمل ربط كهربائي بين الدول الثلاث لما يحققه ذلك من نهضة اقتصادية نحن جميعًا في أمس الحاجة إليها، وتستطيع دول الخليج العربي أن تلعب دورًا هامًا في التوفيق بين الطرفين لما لها من علاقات اقتصادية وسياسية كبرى مع الدول الثلاث.

مقالات لنفس الكاتب