array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الطاقة النووية.. استعداد لمرحلة ما بعد النفط

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2010

بعدما جلس العرب يتفرجون لوقت طويل على تسارع السباق النووي في منطقة تمتد من الهند وباكستان إلى إيران وإسرائيل بدأوا الآن يسارعون الخطى للانضمام إلى هذا السباق، لكن لماذا في هذا الوقت تحديداً ولم يكن منذ زمن بعيد؟ وهل هذا الإسراع هو نتيجة للتخوف من النووي الإيراني الذي يراه البعض موجهاً ضد الدول الخليجية وليس ضد إسرائيل كما يزعم الغرب؟ والسؤال الآخر المنطقي ألم تكن الأسلحة النووية الإسرائيلية تهدد العرب أيضاً؟ وهل يرضى الغرب بامتلاك عرب الجزيرة سلاحاً نووياً؟

على كل حال، فإن أقوى دولتين عربيتين في المنطقة هما السعودية ومصر بدأتا فعلياً بوضع استراتيجيات مستقبلية لمواجهة سحب خطرة محتملة تنذر بسقوط أمطار سوداء، لكن ما هي هذه الاستراتيجيات التي أعدتها الدولتان؟

 والحقيقة أن الدولتين تدركان أن السباق الحالي ليس مضماره الوصول إلى القنبلة النووية، بل الوصول إلى مجتمع مدني يشعر فيه الجميع بالتنمية، وأنه جزء من المجتمع العالمي المتحضر واللحاق بالحاضر بانتهاز فرصة الوقت الضائع لأن البرنامج الإيراني المثير للجدل لم يكن وريث الثورة الإيرانية بل وريث تفكك الاتحاد السوفييتي، حيث استغلت إيران فرصة الوقت الضائع عندما كانت روسيا الوريث الشرعي للسوفييت آنذاك تلملم أوراقها، وتعالج تصدعات بعض جمهورياتها التي خرجت من عباءة الولاء لمحيطها الروسي لمصلحة الغرب الأوروبي-الأمريكي إلى جانب انشغال الغرب نفسه بإغلاق ملف حرب النجوم أو ما يسمى الحرب الباردة ودخوله معتركات حروب جديدة أبرزها الحرب على الإرهاب.

 وتدرك المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج الأخرى جيداً أهمية تنويع مصادر الدخل، ولا يتم تحقيق هذا الهدف إلا بالتحول إلى مجتمع المعرفة في ظل الدعوة العالمية لتخفيض الاعتماد على النفط والوقود الأحفوري بدعوى تأثير هذا الوقود في البيئة والمناخ العالمي، وكان يمكن أن يتعرض العالم لانبعاثات غازات كربونية يصل حجمها إلى 600 مليون طن تهدد البيئة وتلوث الأجواء الكونية إذا استمرت الدول في تشغيل محطات حرارية تعمل بالغاز والنفط بدلاً من 443 محطة نووية تعمل بأمان في عدد من دول العالم.

 لذلك فإن دول الخليج يجب أن تكون سعيدة بإسناد الغرب إليها مهمة تأسيس رؤية الطاقة النظيفة أياً كانت أهدافهم الحقيقية متزامنة مع جهود أمريكا وأوروبا في زيادة اعتمادها على الطاقة المتجددة التي سيكون لها تأثير سلبي في استهلاك النفط، إذ تخطط أوروبا باعتمادها على نسبة 10 في المائة من هذه الطاقة بحلول عام 2020م وتسعى كذلك أمريكا والصين والهند إلى الهدف نفسه.

 لقد أصبح هناك ترويج في دول الخليج لاستخدام الطاقة النووية في الاستخدامات السلمية بسبب القلق من الاحتباس الحراري، لكن لا بد أن تكون دول الخليج حذرة من تسييس هذا الترويج ومن أن يكون مجرد مخرج لهذه الدول من أزمتها المالية لتقليص العجوزات في الميزانية من خلال بيع محطات نووية جاهزة بمبالغ خيالية.

 لذلك هناك معارضون لهذا الترويج ويشككون في جدوى الطاقة النووية، ويدعّون بأن الدول الغربية في سعيها للخلاص مستقبلاً من هذا النوع من الطاقة واستبدالها بمشاريع من الطاقة الشمسية تقيمها في شمال أوروبا.

 وفي الوقت نفسه لا تريد دول الخليج أن تكون ضحية توجهات عالمية جديدة تأخذ أشكالاً غير عادلة في كثير من الأحيان، فالاتفاقية الدولية للمتغيرات المناخية تركز فقط على الطاقة لسببين: الأول الرغبة في انضمام الصين والهند وجنوب إفريقيا إلى هذه الاتفاقية. والسبب الثاني أن الولايات المتحدة تريد من هذه الاتفاقية تمريرها في الكونغرس للحصول على الموافقة من أجل فرض مزيد من الضرائب على المواطنين متجاهلة العولمة التي روجتها لعقود من الزمن وعلى رأسها التعاون المتبادل بين الدول، لكن الأزمة المالية الأخيرة قوضت فاعلية هذه الاتفاقية.

 وتنظر دول الخليج إلى مصالحها أولاً قبل أن تكون ضحية توجهات عالمية أو أن ترضخ لتوجهات المعارضين من دون أدلة مقنعة، ومن حقها أن تنظر الآن إلى تحقيق التوازن في الأسعار. فالتحديات ليست قاصرة فقط على الدول المستهلكة، بل تواجه دول الخليج المنتجة للنفط تحديات كذلك، ولعل أبرزها انخفاض الأسعار ورخص المياه وتوليد الطاقة الكهربائية محلياً ليس من خلال الطاقة النووية فقط، بل كذلك بالطاقة الشمسية، ولا يعني ذلك الاهتمام بهما على أنها مصادر منافسة للنفط على المدى القريب، لكن قد يكون لهما دور مهم بعد 50 عاماً، كما أن هذا النوع من الطاقة النووية يتطلب التزاماً دولياً بعيد المدى، بالإضافة إلى أن الطاقة النووية يكتنفها كثير من المشكلات والغموض خصوصاً حول التخلص من النفايات الضارة بالبيئة.

 وكانت دولة الإمارات أول بلد خليجي يسلك المسار النووي في محاولة لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء في بلد يشهد زيادة سكانية سريعة.

 وفي ديسمبر 2009 منحت دولة الإمارات عقداً قيمته تصل إلى 40 مليار دولار في واحدة من أكبر الصفقات على الإطلاق في الشرق الأوسط إلى كونسورتيوم كوري ينوي بناء وتشغيل 4 مفاعلات نووية على أراضيها يكتمل أحدها بحلول عام 2017م، وتنوي الإمارات استضافة المقر الجديد للوكالة الدولية للطاقة المتجددة.

 فدول الخليج إذن تدرك حاجتها الماسة إلى الطاقة النووية والمتجددة في الوقت نفسه بسبب استنزاف مخزونها النفطي، إذ إنها تستهلك أكثر من مليوني برميل لتوليد الكهرباء وتحلية المياه المالحة التي يمكن أن ترتفع إلى خمسة ملايين بعد 15 عاماً وهو ما يعادل 40 في المائة من الإنتاج الإجمالي للنفط، ما يعني أن عائدات النفط للدول الخليجية من الصادرات النفطية ستنخفض إلى حدود النصف بحلول عام 2025م ما يتطلب البدء فوراً في توفير بدائل للنفط اللازمة لتوليد الكهرباء وتحلية المياه.

 واستعداداً للمرحلة المقبلة أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز أمراً ملكياً بإنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة من أجل توطين المعرفة اللازمة بمجالات الطاقة النظيفة والمتجددة.

 ومنذ فترة بدأت الدول الكبرى تتسابق في إجراءات تحسين كفاءة الطاقة على مدى الأعوام العشرة الماضية، ففي عام 2000 استهلكت الولايات المتحدة ضعفي ما استهلكته الصين وهي الآن ثالث أكبر اقتصاد في العالم، ويزيد استهلاكها عما تستهلكه الولايات المتحدة من الطاقة، وعلى مدى العشرة الأعوام الماضية حسنت الولايات المتحدة كفاءة استخدام الطاقة بمعدل 2,5 في المائة سنوياً، بينما تمكنت الصين من تحقيق معدل سنوي قدره 1,7 في المائة لهذا استهلكت الصين نحو 2,252 مليار طن من المكافئ النفطي من الطاقة عام 2009م وزادت الإنفاق على الاستثمار في مجال الطاقة النظيفة عام 2009 نحو 34,6 مليار دولار وهو أكثر مما أنفقته الولايات المتحدة البالغ 18,6 مليار دولار.

 وحسب الإحصائيات الدولية، فإن النفط متوقع له أن ينفد في حدود 50- 70 سنة، وأن البدائل الأخرى لا تزال مكلفة حتى الآن، بينما تواجه دول الخليج تحديات تتعلق بالطاقة والمياه لأن الطلب على الكهرباء سيقفز في عام 2015 نحو 80 في المائة، بينما سيزداد الطلب على المياه إلى ضعف كمية المياه المحلاة الآن.

 وتشير الإحصائيات كذلك إلى زيادة نسبة الطاقة الكهربائية باستخدام التقنية النووية من 9 في المائة في الثمانينات إلى حوالي 53 في المائة في عام 2006 وذلك كنسبة من إجمالي الكهرباء المولدة من كافة المصادر، ويمتلك العالم الآن 443 مفاعلاً نووياً لإنتاج الطاقة تساهم في إنتاج 16 في المائة من كهرباء العالم، وتعتمد فرنسا وحدها على 80 في المائة في توليد الكهرباء على الطاقة النووية.

 إن توجه دول الخليج نحو الطاقة النووية جاء نتيجة مبررات استراتيجية واقتصادية قوية أهمها إنتاج الكهرباء وتحلية مياه البحر بتكاليف أقل قد تنخفض إلى أقل من 7 في المائة من تكاليف استخدام النفط والغاز لمواجهة الطلب المتنامي. فقد أصبح استخدام الطاقة النووية في تحلية المياه وتوليد الطاقة الكهربائية ضرورة وطنية وعالمية نظراً لحتمية تناقص الاحتياطيات المحدودة من النفط والغاز الطبيعي ولتوفير الطاقة بأسعار مقبولة تحد من ارتفاع نسب التضخم وفي الوقت نفسه المحافظة على النفط والغاز لأغراض التنمية الصناعية والاستعداد لمرحلة ما بعد النفط.

 ويوجد الآن جيل جديد من المفاعلات النووية أكثر أماناً وأقل تكلفة وأكثر ديمومة، ولا يمكن استخدامها في تكنولوجيا صنع الأسلحة النووية يمكنها أن تقنع المتخوفين من اليمينيين في الغرب وتهدئ روع المتشككين من المعارضين بأهمية التوجه نحو الطاقة النووية كبديل استراتيجي استعداداً لمرحلة ما بعد النفط ريثما تثبت الفاعلية الاقتصادية للطاقة الشمسية المتجددة، كما أن الطاقة النووية ذات استخدامات أخرى واسعة غير مقتصرة على استخدامات الطاقة وتحلية المياه، لذلك لا بد أن نشارك وننافس العالم في استخداماتها في كافة المجالات.

مجلة آراء حول الخليج