array(1) { [0]=> object(stdClass)#13440 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 202

الاعتدال السعودي والتطرف الأوروبي

الإثنين، 30 أيلول/سبتمبر 2024

من حُسن الطالع أن احتفلت المملكة العربية السعودية في الثالث والعشرين من شهر سبتمبر المنصرم باليوم الوطني الرابع والتسعين لتأسيس المملكة العربية السعودية على يد الملك المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ـ طيب الله ثراه ـ، هذا اليوم يذكرنا بتأسيس واحدة من أهم الدول التي تأسست في القرن العشرين، بل في التاريخ الحديث والمعاصر كله، لأنها دولة تأسست على التقوى والعلم والإيمان ورفع راية لا إله إلا الله محمد رسول الله .. وقامت على الوحدة وجمع الشتات، في عالم يتشتت ولا يتجمع ويتفرق ولا يتوحد .. دولة تعتمد على نهج البناء والتطوير وليس الهدم والدمار .. دولة تتبنى الصلح وجمع الفرقاء في محيطها وفي العالم أجمع على أرضها للتقريب بينهم وإنهاء الحروب والصراعات .. دولة تنبذ الكراهية والعنصرية ولا تعرف اليمين أو اليسار، بل وسطية الدين الإسلامي الحنيف، والعادات والتقاليد والقيم العربية الأصيلة التي تغيث الملهوف وتساعد المستضعف وتقدم العون للمحتاج دون منة أو تفاخر، مع التطلع للمستقبل واستشراف ما هو آت، وهذا النهج سارت عليه منذ التأسيس وحتى العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء ـ حفظه الله ـ.

وفي الوقت الذي نحتفل فيه باليوم الوطني لدولة قامت على أنبل القيم وقبول الآخر والتعاون معه، ومد غصون الزيتون للجميع لتحقيق السلام الإقليمي والعالمي، تطرح مجلة (آراء حول الخليج) قضية صعود اليمين المتطرف في دول أوروبا وتناقش أسباب ودوافع صعود هذا التيار ، وأهدافه وما يسعى لتحقيقه، وما يمكن أن يترتب على وصوله لسدة الحكم في أوروبا، وانعكاس ذلك على العلاقات البينية الأوروبية، ومع دول الجوار الجغرافي من الدول العربية والإسلامية ودول الجنوب عامة و الشرق الذي تقوده الصين وروسيا، وناقشت دراسات ومقالات العدد تأثير الانكفاء الأوروبي ـ كما يدعو له اليمين المتطرف ـ وتأثير الكراهية للآخر وفي مقدمته العرب والمسلمين، بل التناحر الداخلي المتوقع في دول الاتحاد الأوروبي بين يمين متطرف ويسار متطرف ووسط يتآكل، وكذلك تداعيات التصدي للهجرة في قارة تعاني من شيخوخة السكان ونقص العمالة، مع إشهار العنصرية الفجة وازدراء الأديان السماوية .. كل هذا وغيره يضع مستقبل أوروبا، والتعايش السلمي والاحتكام للقانون الدولي وإعلاء شأن المؤسسات الدولية في مهب ريح الكراهية القادمة من اليمين المتطرف.

بل سيمتد تأثير هذا التطرف الأوروبي أيضًا لإيجاد رد فعل مضاد في مختلف دول العالم ،ما يهدد الجهود التي بذلتها الدول العربية والإسلامية في محاربة الإرهاب وتثبيت دعائم الحوار مع أتباع الأديان والمذاهب والحضارات  لقبول الآخر والتعايش معه، ولعلنا في هذا الصدد نذكر الجهود التي قامت بها المملكة العربية السعودية من إنشاء مراكز لتبني حوار الحضارات، وعقد مؤتمرات داخل المملكة وخارجها ومقترحات قدمتها للأمم المتحدة في هذا الصدد، وأشادت بها المنظمة الدولية واعتبرتها نبراسًا يُحتذى به، ولعلنا ونحن نعيش فترة احتفال المملكة العربية السعودية باليوم والوطني، ندعوا اليمين المتطرف الأوروبي  أن ينظر إلى ما حققته المملكة من إنجازات وتطورات على صعيد التنمية والاستقرار في الداخل وما تقدمه لاحترام حقوق الإنسان وإعلاء القيم الإنسانية النبيلة، وما تصبو إلى تحقيقه في الخارج سواء في الشرق الأوسط أو العالم، ولعلنا نقول أن ما يحدث الآن في المملكة مقابل ما يحدث في أوروبا يمثل مفارقة غريبة، ففي الوقت الذي يحارب اليمين المتطرف المقيمين الأجانب في أوروبا ويعتبرهم عبئًا على دول الاتحاد الأوروبي ،ويرتكب ضدهم جرائم عنصرية مقيتة ، تستضيف المملكة العربية السعودية قرابة 9 ملايين مقيم، وتوفر لهم سبل العيش الكريم من مسكن وعلاج وغذاء وكساء، و معاملة إنسانية كريمة ولا تفرق في التعامل بين مواطن ومقيم، ولا تنظر لجنس أو عرق أو دين، وفي الوقت الذي تتبنى فيه المملكة السلام في الشرق الأوسط وتقديم العديد من المبادرات لحل القضية الفلسطينية، نجد أوروبا التي تملأ العالم ضجيجًا بشعارات حقوق الإنسان تقف إلى الجانب الإسرائيلي في قتل الفلسطينيين في غزة وتساند جرائم المتطرفين الإسرائيليين، وموقف أوروبا حيال مبادرة السلام السعودية (العربية) وحل الدولتين مجرد شعارات ولا تقدم شيئًا على الأرض، وفي الوقت الذي تقدم فيه المملكة مليارات الدولارات لمساعدة الشعوب الفقيرة والمنكوبة، نجد أوروبا تطرد المهاجرين والكثير منهم يغرقون في مياه البحر المتوسط، دون تقديم حلول عملية لمساعدة الفارين من ويلات الفقر والحروب بمشروعات تساعدهم على البقاء في بلادهم عبر تنمية مستدامة.

وفي الوقت الذي تتوجه فيه السعودية إلى الاقتصاد الأخضر، والمحافظة على البيئة ،والبدء في تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الأخضر والسعودية الخضراء لمواجهة التصحر والجفاف، وإقامة المدن الذكية صديقة البيئة، والتحول التدريجي نحو الطاقة النظيفة، نجد اليمين الأوروبي يرفض هذه التحولات ويتمسك بالطاقة الأحفورية، ويفضل الانكفاء بدلًا من التعاون، والانغلاق بدلًا من الانفتاح، ويغلق الأبواب أمام التعاون حتى بين الدول الأوروبية نفسها ويعلي الوطنية على الاتحاد والعمل الجماعي الأوروبي، في حين تتوسع المملكة في الشراكات العالمية في جميع الاتجاهات، وتقدم كل الدعم لمجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وكل المنظمات الإقليمية والدولية من أجل تحقيق التنمية المستدامة والتخفيف من حدة التوترات والحروب وتعزيز مبدأ التعايش السلمي القائم على التعاون والتكامل في عالم لم يعد يعرف الانغلاق والتقوقع.

وفي الختام، نأمل أن يتفهم الناخب الأوروبي خطورة التمادي في دعم اليمين المتطرف للصعود والسيطرة على سدة الحكم، فصعوده يهدد المكاسب التي حققتها أوروبا منذ دخولها عصر الثورة الصناعية ونهاية الحرب العالمية الثانية، وحتى تكون شعاراتها منسجمة مع سياساتها الخارجية والبينية وعلاقاتها الدولية وحتى لا تتأزم علاقاتها مع الدول العربية والإسلامية والابتعاد عن جوارها في وقت تتأهب فيه الصين وقوى أخرى صاعدة لتوثيق علاقاتها بالمنطقة العربية والإسلامية.

مقالات لنفس الكاتب