array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 203

خطوات سعودية / مصرية مشتركة لإنشاء تحالف اقتصادي للدخول لأسواق ثالثة خاصة إفريقيا

الأربعاء، 30 تشرين1/أكتوير 2024

تعتبر كل من المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية دولتان محوريتان في المنطقة العربية، إذ تمثلان نحو 40 % من الناتج الإجمالي العربي، وتتمتعان بعلاقات وثيقة على مختلف المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية، وذلك بحكم الروابط التاريخية بين البلدين والممتدة منذ عقود طويلة. وتزداد أهمية تلك العلاقات يوما بعد يوم خاصة في ظل الاضطرابات التي تشهدها المنطقة والعالم، وفى ضوء سعى كل منهما نحو تعزيز أواصر التكامل لدعم العلاقات البينية وتحقيق طموحات وأهداف الرؤى التنموية لكل منهما.

    وتتسم الدولتين بأنهما ذات أهمية كبيرة لبعضهما البعض، فالمملكة العربية السعودية تلعب دورًا حيويًا واستراتيجيًا بالنسبة لمصر على عدة مستويات، فعلى الجانب الاقتصادي، فهي أحد أكبر الشركاء الاقتصاديين لمصر، سواء على الصعيد التجاري أو الاستثماري، كما تعتبر وجهة مهم للعمالة المصرية، إذ تسهم تحويلاتهم المالية في دعم الاقتصاد المصري وزيادة احتياطيات العملات الأجنبية، أما الجانب السياسي والأمني، فالعلاقات بين المملكة ومصر تقوم على شراكة سياسية قوية، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية مثل مكافحة الإرهاب والاستقرار في المنطقة ، ويتعاونان في العديد من الملفات الإقليمية مثل الوضع في اليمن وسوريا وفلسطين. كذلك تعد مصر واحدة من أكبر الأسواق في العالم العربي، وهي مقصد مهم للاستثمارات السعودية في مختلف القطاعات، وساهم استقرار الاقتصاد المصري في الآونة الأخيرة إلى مزيد من الاهتمام السعودي.

    ويعتبر ملف العلاقات الاقتصادية بين المملكة ومصر من أهم الملفات المطروحة في ظل أهداف ورؤى تنموية متكاملة، وفى إطار ظروف عالمية متغيرة، ومن هذا المنطلق، يهدف هذا المقال الى تسليط الضوء على واقع العلاقات الاقتصادية بين المملكة ومصر على صعيد التجارة والاستثمار، وطرح افاق التعاون الاستثماري في الفترة المقبلة:

أولا-العلاقات التجارية بين الجانبين:

    تمثل السعودية أهمية تجارية لمصر؛ كونها تعتبر سوقًا للكثير من الصادرات المصرية الزراعية والصناعية والخدمية، كما تعتبر بوابة رئيسية يمكن من خلالها ضمان وصول المنتجات المصرية للأسواق الخليجية. كما تعتبر مصر بوابة رئيسية لدخول المنتجات السعودية الى أفريقيا، مع توقيع مصر على اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية، التي أتاحت لها الدخول إلى أسواق الكثير من دول القارة، خاصة فى ظل توصل المملكة ومصر مؤخرا إلى اتفاق بشأن شراكات تصل إلى 60% في كل دولة لمشروعات صناعية تستهدف الوصول إلى السوق الأفريقية.

 

   وتطور حجم التجارة بين البلدين في السنوات الأخيرة، ففي الفترة من (2001-2014م) استحوذت المملكة على 2.27% من التجارة المصرية، إلا أن تلك النسبة تجاوزت 30 % للفترة (2016-2022م)، وبلغ حجم التبادل التجاري بين المملكة ومصر 124 مليار ريال أي نحو 32مليار دولار في السنة المالية 2022م، اذ تعتبر المملكة الشريك التجاري الأول لمصر من حيث الصادرات والواردات على مستوى دول الخليج، وتتساوى تقريبا مع روسيا وأمريكيا في التبادل التجاري. والمملكة واحدة من أهم الوجهات للصادرات المصرية، حيث تشكل حوالي 10-12 من إجمالي الصادرات المصرية. كما أنها أكبر مورد لمصر، إذ تشكل حوالي 15-18% من إجمالي الواردات المصرية.

     كما تعد مصر ضمن أكبر شريك تجاري عربي للمملكة؛ فهي الشريك السابع في الصادرات، والتاسع في الواردات على مستوى دو العالم، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 221 مليار ريال (59 مليار دولار) من عام 2018 إلى 2022م، كما هو في الشكل (1). وتجدر الاشارة أن حجم التبادل التجاري بين البلدين قد شهد تطورا من 25 مليار ريال في 2018 إلى 36 مليارًا في 2019م، ثم ارتفع بشكل ملحوظ إلى 54.5 مليار ريال في 2021م، وحوالي 76.5 مليار ريال في عام 2022م، بنسبة نمو 40% على أساس سنوي.

شكل رقم (1): تطور حجم التبادل التجاري بين السعودية ومصر (2018-2022)

مليار ريال سعودي

    ووفقا لأحدث البيانات المتاحة لعام 2023م، تصدرت السعودية قائمة أعلى الدول العربية تصديراً لمصر، حيث بلغت قيمة واردات مصر منها 28.2 مليار ريال (2.5) مليار دولار. كما هو موضح في الشكل (2)، مسجّلة بذلك تراجعًا بنسبة 45.4% مقارنة بالسنة السابقة متأثرة بذلك بتداعيات الأزمة الراهنة في منطقة البحر الأحمر. وتصدّرت أقسام المنتجات الآتية قائمة الصادرات من حيث القيمة: وقود وزيوت وشموع معدنية (18.4 مليار ريال)، اللدائن ومصنوعاتها (4.9 مليار ريال سعودي)، ومنتجات كيمياوية عضوية (993.3 مليون ريال). وتتطلع المملكة إلى رفع حجم التبادل التجاري مع مصر إلى 100 مليار دولار خلال السنوات القادمة وهذه الزيادة الطموحة تستند إلى الاستثمارات الكبيرة التي تضخها المملكة في السوق المصري، بالإضافة إلى التعاون في مشروعات ضخمة تشمل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.

شكل رقم (2): التغييرات السنوية في معدل نمو وقيمة صادرات السعودية إلى مصر (2016-2023)

مليون ريال سعودي

 

جدول رقم (1): المنتجات المصدرة إلى مصر حسب القيمة التجارية لعام 2023

المنتجات المصدرة الى مصر

النسبة من اجمالي الصادرات السعودية الى مصر

وقود وزيوت معدنية

1.65%

اللدائن ومصنوعاتها

3.17%

منتجات كيماوية عضوية

5.3%

الومنيوم ومصنوعاته

8.1%

العربات عدا القطارات والسكك الحديدية

6.1%

الحديد والصلب (الفولاذ)

3.1%

منتجات ورقية

1%

    وفي 2023م، بلغت واردات السعودية من مصر نحو 19.8 مليار ريال، وتصدّرت المنتجات قائمة الواردات من حيث القيمة: وقود وزيوت وشموع معدنية (10.2 مليار ريال)، النحـــاس ومصنـــوعــاتـــه (1.3 مليار ريال)، والفواكه والثمار؛ القشور والحمضيات (846.4 مليون ريال).

شكل رقم (3): التغييرات السنوية في معدل نمو وقيمة واردات السعودية من مصر خلال الفترة (2016-2023)

مليون ريال سعودي

 

جدول رقم (2): المنتجات المستوردة من مصر حسب القيمة التجارية لعام 2023

المنتجات المستوردة من مصر

النسبة من اجمالي الواردات السعودية الى مصر

وقود وزيوت وشموع معدنيه

7.51%

نحاس ومصنوعاته

4.6%

فواكه وحمضيات

3.4%

الات ومعدات وأجهزة كهربائية وأجزاؤها

3.3%

زيوت عطرية

6.2%

خضروات ونباتات غذائية

6.2%

منتجات غذائية متنوعة

4.2%

    

 وتجدر الاشارة هنا إلى الجهود الأخيرة التي بذلت لدعم العلاقات التجارية بين الجانبين منها تعزيز دور مجلس الأعمال المصري / السعودي الذي يهدف إلى تسهيل التجارة والاستثمارات الثنائية من خلال تبادل المعلومات. كما تم توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم لتعزيز التعاون التجاري، فضلا عن تحسين البنية التحتية اللوجستية، مثل تطوير الموانئ والطرق، لتسهيل حركة البضائع والخدمات بين البلدين. كذلك تدعم الحكومتان دور القطاع الخاص في تعزيز العلاقات التجارية من خلال تقديم حوافز وضمانات لجذب الاستثمارات السعودية في مصر والعكس خاصة في تلك الأنشطة الداعمة للتبادل التجاري.

ثانيا-العلاقات الاستثمارية وافاق تطورها:

  • حجم وهيكل توزيع الاستثمارات: تصدرت السعودية قائمة أعلى عشر دول استثماراً في مصر، إذ أشارت بياناتالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري إلى ارتفاع قيمة الاستثمارات السعودية في مصر خلال العام المالي 2022 / 2023م، لتسجل 2.4 مليار دولار (112 مليار ريال ) مقابل 491.6 مليون دولار خلال العام المالي 2021 / 2022م، بزيادة بلغت 1.9 مليار دولار، وبنسبة ارتفاع قدرها 474.3%.. كما تجاوزت استثمارات القطاع الخاص السعودي في مصر 35 مليار دولار وتوجد في السوق المصرية أكثر من 6800 شركة سعودية. ولتعزيز هذا التعاون الاستثماري، تم توقيع 14 اتفاقية بين مجموعة من الجهات الحكومية والخاصة في مصر من جهة ونظيراتها في السعودية من جهة أخرى، وتشكل الاتفاقيات ما قيمته 7.7 مليار دولار يتم استثمارها في القطاعات التالية: البنية الأساسية؛ والخدمات اللوجستية؛ وإدارة الموانئ؛ والصناعات الغذائية؛ والتصنيع؛ والأدوية؛ والطاقة المتجددة وغير المتجددة؛ وأنظمة الدفع الإلكتروني؛ والخدمات المالية وحلول تكنولوجيا المعلومات.

وفيما يتعلق بهيكل توزيع الاستثمارات السعودية بمصر، فتتركز تلك الاستثمارات بشكل أساسي في قطاعات الصناعة والتشييد والسياحة والخدمات المالية والخدمات والزراعة والاتصالات وتقنية المعلومات. فهناك استثمارات سعودية في مشروعات كبرى تتعلق بالبنية التحتية والعمران بما يؤكد تطابق الرؤى بين السعودية ومصر في أهمية القطاع العقاري كونه أحد أهم الأعمدة في صناعة الاقتصاد مثل مشروع العاصمة الإدارية، ومدينة العلمين، فضلا عن استثمارات في مجال توليد الكهرباء من طاقة الرياح، لا سيما في مناطق خليج السويس التي تعتبر مثالية لتطوير مزارع الرياح، كذلك مشروع الطاقة الشمسية المتجددة في بنبان. يضاف إلى ذلك مشروعات الطاقة التقليدية ويشمل ذلك الاستثمار في تطوير حقول الغاز الطبيعي والنفط وتحديث البنية التحتية لتصدير الغاز إلى الأسواق العالمية.

وتجدر الاشارة هنا إلى دور المؤسسات السعودية المعنية بالاستثمار والتنمية في دعم التعاون مع مصر، منها على سبيل المثال دور صندوق الاستثمارات العامة السعودي، من خلال ضخ 5 مليارات دولار استثمارات سعودية كمرحلة أولى خلال الفترة المقبلة. ويساهم صندوق الاستثمارات العامة السعودي في مشروعات استراتيجية في قطاع الطاقة المصري وقطاع السياحة بالتعاون مع الصندوق السيادي المصري. كما أسهم الصندوق الصناعي السعودي في دعم وتمويل 17 مشروعاً مشتركاً مع مصر، بقيمة تزيد على 393 مليون ريال، ويوجد 27 مصنعاً باستثمارات مصرية في المدن الصناعية السعودية، وذلك بعدد من المجالات مثل: صناعة الأجهزة الكهربائية، والمعادن، والتصنيع الغذائي، والمطاط، والبلاستيك، والصناعات الطبية وغيرها.
كذلك التعاون في مجالات التوعية الرقمية والتحول الرقمي، والكابلات البحرية للاتصالات. يضاف الى ذلك الدعم الذي يقدمه الصندوق السعودي للتنمية، إذ بلغت قيمة مساهمات الصندوق 8846.61 مليون ريال لـ32 مشروعاً في قطاعات حيوية في مصر من بينها الصحة، والتعليم، والتموين، والري، والكهرباء، والنقل، والطرق والكباري، والزراعة، والإسكان.

   أما الاستثمارات المصرية المباشرة في السعودية، فتقدر بحوالي 5.1 الى 2 مليار دولار، وفي 2022م، بلغ رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر لمصر في المملكة نحو 10.8 مليار ريال، وهو ما يشكّل ارتفاعًا بنسبة 11.8% مقارنة بالعام السابق كما هو موضح في الشكل رقم (4). وسجل حجم المشروعات المصرية بالمملكة زيادة بنهاية 2022م، ليصل إلى 1300 مشروع بقيمة استثمارات بـ 2,5 مليار دولار، فيما بلغ نصيب المشروعات برأس مال مصري 1,1 مليار دولار لعدد 1000 مشروع. وتتواجد أكثر من 802 شركة مصرية بالمملكة، وتتركز الاستثمارات المصرية بقطاعات الصناعة والتشييد والاتصالات وتقنية المعلومات وتجارة الجملة والتجزئة والخدمات التقنية والعلمية والمهنية، وهي القطاعات التي حققت تطورا كبيرا بالمملكة. وجاءت مصر في المرتبة الثانية في قائمة كبرى الدول التي تم إصدار رخص استثمارية لها بالمملكة عام 2020م، بإجمالي 160 رخصة استثمارية. وحتى منتصف عام 2024م، نمت تلك الرخص بأكثر من 100% مقارنة بعام 2023م. ويحرص القطاع الخاص السعودي والمصري على الاستثمار في أسواق البلدين لما تتميز به من مقومات وفرص، وتبلغ قيمة رأسمال الشركات التي يملكها أو يشارك في ملكيتها مستثمرون مصريون بالمملكة 4.4 مليارات ريال، يتركز أغلبها في قطاعات الصناعات التحويلية، والتشييد.

شكل رقم (4): تطور رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر لمصر في المملكة العربية السعودية خلال الفترة (2015-2022)

مليار ريال سعودي

-      المصدر: نفس مصدر الشكل رقم (2).

  • عقبات التعاون الاستثماري: يواجه الاستثمار السعودي في مصر عدد من التحديات، والتي تحتاج الى العمل عليها حتى يمكن تيسير التدفقات الاستثمارية التي تحتاج اليها مصر وبقوة بحكم الظروف الاقتصادية في الفترة الراهنة، ومن ضمنها ما يلي:
  • البيروقراطية والاجراءات الادارية، حيث يواجه بعض المستثمرين السعوديين بطء الإجراءات الحكومية وصعوبة الحصول على التراخيص والموافقات اللازمة لتنفيذ مشاريعهم. وهذا التعقيد يؤثر على سرعة تنفيذ المشاريع ويزيد من التكاليف.
  • التقلبات الاقتصادية، وأهمها تذبذبات سعر الصرف المصري بعد التعويم الكامل، فضلا عن استمرار معدلات التضخم واتجاه أسعار الفائدة نحو الارتفاع، وكل ذلك ينعكس في شكل زيادة في تكاليف الاستثمار.
  • الإطار القانوني المتعلق بحماية حقوق المستثمرين، والذي يحتاج إلى بعض التعديل بما يضمن الحد من الاجراءات القانونية المطولة، والتشابكات بين الجهات الداعمة للاستثمار، فضلا عن اجراءات الفصل في النزاعات التجارية، والاستثمارية خاصة المتعلقة بملكية الأراضي. كذلك عدم توحيد الإجراءات والقيم الخاصة بالضرائب لأي نشاط على مستوى الجمهورية، وهو ما قد يسهم في عدم تحقيق الوضوح والشفافية فيما يتعلق بالمعاملة الضريبية للمستثمرين.
  • بطء عملية الانتهاء من إعداد اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات المصرية السعودية، ومن الجدير بالذكر أن هذه الاتفاقية مصممة لضمان استثمارات عادلة ومنصفة لكلا البلدين. بالإضافة إلى ذلك، ستعمل على تبسيط الإجراءات المتعلقة بإنشاء الاستثمارات خاصة في قطاعات مثل: الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر وتكنولوجيا المعلومات والتجارة الإلكترونية والأدوية والبنية الأساسية والأمن السيبراني.

   وعلى الرغم من هذه التحديات، تسعى الحكومة المصرية بالتعاون مع المملكة العربية السعودية إلى حل تلك العقبات والحد منها تدريجيا. وقد شهدت الفترة الأخيرة زيارات مكثفة بين القاهرة والرياض لتسيق الرؤى بين الجانبين المصري والسعودي بهدف التنسيق الاقتصادي في مختلف أوجه التعاون. وأبرز تلك المحاولات جاء في العام الحالي 2024م، ففي مارس من العام نفسه، دعا مجلس الأعمال السعودي / المصري إلى إنشاء تحالف اقتصادي بين المملكة العربية السعودية ومصر بهدف الدخول المشترك إلى أسواق ثالثة، وخاصة السوق الأفريقية. ويسعى التحالف إلى تعزيز التكامل بين قطاعات الأعمال في المشاريع وفرص الاستثمار لضمان الأمن الغذائي والدوائي لكلا البلدين ومعالجة التحديات التي تفرضها الأزمات العالمية بشكل فعال، خاصة في ظل كون السعودية ومصر مرتبطتان بنحو 70 اتفاقية وبروتوكول ومذكرة تفاهم بين مؤسسات حكومية وخاصة، وهو ما يعكس عمق الشراكة الاستراتيجية".

    وفى مايو 2024م، عقد مسؤولون سعوديون مباحثات مع رئيس الوزراء المصري بحث استراتيجيات زيادة الاستثمارات السعودية في مصر في المستقبل القريب. كما شهد بداية أغسطس 2024م، لقاء بين وزيري الاستثماري والتجارة الخارجية بالبلدين، أعلن فيه الجانب المصري عن حزم الحوافز الاستثمارية، والتي تشمل تفعيل نظام الرخصة الذهبية. كما تم الإعلان عن إنشاء مكتب خاص بالهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة للاستثمارات السعودية يهدف إلى الترويج للفرص الاستثمارية بمصر للمستثمرين السعوديين وتيسير كافة الإجراءات الاستثمارية بين الجانبين. وفى 19 اغسطس 2024م، استقبلت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، السفير صالح بن عيد الحصيني، سفير المملكة العربية السعودية بجمهورية مصر العربية، وذلك لبحث سبل تدعيم العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وفتح آفاق جديدة في إطار أولويات الحكومة المصرية في ظل فترة رئاسية جديدة برؤى تنموية محددة الأهداف.

     وفى 15 سبتمبر 2024م، توجه رئيس الوزراء المصري ووفد وزاري الى الرياض، والتقى بالأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء بالمملكة، لبحث سبل دعم وتعزيز افاق التعاون المشترك بين البلدين خاصة التعاون الاقتصادي وفرص الشراكة في عدد من المشروعات الاستثمارية المختلف. وتجدر الاشارة هنا إلى أهمية تلك الزيارة في بلورة أكثر وضوحا للعلاقات الاقتصادية السعودية / المصرية، واتخاذها نمط أكثر تكاملا، إذ تم فيها التأكيد على ضرورة دفع التعاون التجاري والاستثماري، وتبنى كافة السبل والحلول اللازمة لضمان حل المشكلات التي تواجه الاستثمار السعودي في مصر.

  • افاق وفرص الاستثمار المتوقعة بين الجانبين:

    في ظل الرؤية التنموية للمملكة العربية السعودية 2030، والتي تسعى الى تنويع الاقتصاد ومصادر الدخل، وخلق نوع من التكامل مع اقتصادات المنطقة، تسعى المملكة الى تحقيق خارطة تعاون اقتصادي كفء مع أهم اقتصادات المنطقة ومنها جمهورية مصر العربية، كما تسعى الأخيرة إلى تعزيز التعاون المشترك مع دول المنطقة العربية وشمال أفريقيا، بل ودفع فرص التعاون مع القارة الأفريقية ككل، وتتفق الرؤى التنموية السعودية والمصرية نحو فتح افاق متنوعة ومتكاملة للتعاون الاقتصادي في شتى صوره، وخاصة التعاون الاستثماري الذى يدفع تلقائيا الى تعزيز التبادل التجاري والتشغيل وتحويلات العاملين . ومن هنا يمكن القول بأن هناك فرص استثمارية تكاملية بين البلدين، أهمها التكامل الصناعي خاصة بعد إطلاق الاستراتيجية الصناعية للمملكة، التي تستهدف التكامل بين الدول الشقيقة، وهناك فرص في مجالات صناعية مثل الصناعات الغذائية والدوائية والهندسية، بما يسهم في دعم احتياجات الأسواق المحلية للدولتين، كما أن قطاع التعدين يشهد بالفعل عملًا قائمًا بين المملكة ومصر، ولا سيما أن هناك تقاربًا في نوعية الثروات التعدينية بين البلدين. يضاف الى ذلك أيضًا التعاون في ملف صناعة السيارات، خاصة أن المملكة قطعت شوطًا كبيرًا في هذا القطاع، كما أن مصر لديها محفزات كبيرة لهذا القطاع حاليًا.

   كما يأتي على رأس تلك الاستثمارات التكاملية الربط الكهربائي بين مصر والمملكة والطاقة المتجددة، اذ ُيمكّن من تبادل الكهرباء بين الجانبين بما يصل إلى 3 جيجاوات المساعدة على استقرار الشبكات الكهربائية. كما أن هذا الربط يتيح استغلال فائض الطاقة المتجددة في كلا البلدين، مما يقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري. ويعتبر جزءًا من مشروع الربط الكهربائي العربي الذي يهدف إلى تعزيز التكامل الكهربائي بين الدول العربية والتكامل الإقليمي. ومما لا شك فيه أن تعزيز الاعتماد على الطاقة المتجددة، يسهم في تقليل الانبعاثات الكربونية ويساهم في جهود مكافحة التغير المناخي. كذلك في قطاع الهيدروجين الأخضر لتأمين مصادر الطاقة المستدامة. وتعتزم المملكة ضخ استثمارات جديدة خلال العام الجاري 2024م، بقيمة تصل إلى 1.5 مليار دولار أغلبها سيوجه للقطاع الصناعي، وكذلك قطاعات الطاقة والعقارات والبنية التحتية في مصر.

خاتمة:

    تعتبر السعودية ومصر نموذج في إطار الشراكة الاقتصادية التي تسعى نحو تعزيز الاستفادة من المزايا التنافسية التي يتمتع بها كل منهما، وتزايد التقارب الاقتصادي بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة خاصة في ظل التغيرات الاقتصادية العالمية، ليدفع ذلك العلاقات الى مستوى الشراكة الاستراتيجية. ويتوافق ذلك مع الرؤى الاستثمارية للدولتين، ففي ظل الاستراتيجية الوطنية للاستثمار التي أطلقتها المملكة العربية السعودية، فإنَّ فرص ضخ مزيد من الاستثمارات السعودية في مصر تتنامى خاصة أن لدى مصر آفاق استثمارية في القطاعات المفضلة لدى المملكة.

   لا شك أن مستقبل التعاون السعودي / المصري يبدو واعدًا بفضل العديد من العوامل التي تدفع نحو تعزيز العلاقة بين البلدين، وفى ضوء جهود وخطوات حثيثة يتخذها الجانبين لدعم مسيرة التعاون وفتح افاق جديدة وتكاملية. ومع توافق رؤية المملكة 2030 ومبادرات التنمية في مصر، ستتوفر قاعدة قوية للتعاون، تركز على تطوير وتنويع الاقتصاد.

مقالات لنفس الكاتب