array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الأمان النووي ومشاريع الطاقة النووية في منطقة الخليج

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2010

على الرغم من التطورات التكنولوجية التي أنجزت في مجال تصميم وبناء مفاعلات نووية متقدمة في العديد من الدول الصناعية، إلا أن هاجس السلامة والأمن من الحوادث النووية المحتملة في مثل هذه المنشآت والأخطار المحتملة من النفايات المشعة الناتجة عن المفاعلات النووية لا يزال هاجساً مهيمناً على الرأي العام العالمي.

 بدأ هذا الهاجس منذ وقوع حادث (ثري مايل آيلاند) في بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية في عام 1978، وحادث انفجار أحد مفاعلات محطة تشرنوبيل لتوليد الكهرباء بالاتحاد السوفييتي (سابقاً) في عام 1986، ولا يزال قائماً حتى اليوم.

 وبالنظر إلى أن التوجه نحو الاستفادة من الاستخدامات السلمية للطاقة النووية أصبح اليوم خياراً استراتيجياً للكثير من بلدان العالم، بما فيهاتلك المنتجة والمصدرة للنفط في إطار استعدادها الاستراتيجي لمرحلة ما بعد النفط، حتى إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية دعت - في تقرير أصدرته يوم السابع من نوفمبر 2006 - الدول المختلفة إلى أن تدرس بناء منشآت نووية جديدة لتوليد الطاقة الكهربائية، وذلك من أجل التخطيط طويل الأمد لضمان توفير مصادر للطاقة وعدم الارتهان في ذلك إلى مورد ناضب مثل النفط، فإن عنصر الأمان النووي بات أحد التحديات الرئيسية أمام أية دولة راغبة في تطوير برنامج نووي للاستفادة من الاستخدامات السلمية للطاقة النووية.

 ومن ثم، فإنه في إطار استعداد دول مجلس التعاون الخليجي لتدشين برامجها النووية السلمية التي أعلنت عنها في القمة الخليجية عام 2006، فإن أحد العناصر المهمة الذي ينبغي أن يأخذ قدراً كبيراً من الاهتمام والبحث، هو ذلك العنصر المتعلق بالأمان النووي باعتباره من المتطلبات الرئيسية لأي برنامج نووي سلمي، ومن دونه يصبح أي برنامج نووي سلمي كارثة محققة بكل معنى الكلمة.

وفي ضوء ما سبق، يحاول الباحث من خلال هذا المقال إلقاء الضوء على بعض الجوانب ذات الصلة بمفهوم الأمان النووي، وذلك من خلال العناصر التالية:

 أولاً: التعريف بمفهوم الأمان النووي وتطوره

الأمان النووي وفقاً لتعريف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يشمل (الإجراءات التي تتخذ لمنع الحوادث النووية والإشعاعية أو للحد من عواقبها، ويشمل ذلك محطات الطاقة النووية، فضلاً عن سائر المرافق النووية، ونقل واستخدام وتخزين المواد النووية للأغراض الطبية والطاقة)، وتعتبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية المنظمة العالمية القائمة على نشر المعلومات ووضع المبادئ التوجيهية والمعايير في ميدان السلامة النووية، وتقدم كذلك للدول التوصيات بشأن طرق تحسين سلامة المفاعلات وتجنب خطر وقوع أي حوادث في هذا المجال.

 ويعد حادث تشرنوبيل عام 1986 نقطة تحول مهمة في الجهود الدولية القائمة على توفير أكبر قدر ممكن من الأمان النووي. فمنذ وقوع هذا الحادث، عكفت الوكالة الدولية للطاقة النووية على تكثيف التعاون الدولي لتحقيق السلامة من مخاطر الإشعاعات النووية وأقرت بعض الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، مثل اتفاقية السلامة من الإشعاعات النووية، بالإضافة إلى مجموعة إجراءات أخرى تهدف إلى مراقبة النشاطات والمنشآت النووية فيما بين الدول وتبادل المعلومات حول كيفية تحقيق السلامة من تسرب الإشعاعات النووية. وفي عام 1989، تأسست الجمعية العالمية للعاملين بالمواد النووية (WANO) لتتبنى أساليب عالمية للسلامة في الاستخدامات النووية. وتخضع في الوقت الحالي معظم المفاعلات النووية للطاقة في العالم لنظام الجمعية الذي يشكل ضمانة للتقيد بمعايير السلامة والأمان الصارمة بموجب ما أوصت به الوكالة الدولية للطاقة الذرية. 

 ثانياً: المشروع النووي الخليجية والتحديات التي تواجه الأمان النووي

بالنظر إلى أن المشروع النووي الخليجي لا يزال مشروعاً وليداً وفي مراحله الأولية، فإنه يجب التنبه مبكراً إلى مجموعة من التحديات تواجه عنصر الأمان النووي، وهي تحديات يجب أن تحظى بقدر معقول من البحث والاهتمام، وتتمثل في:

 1- تحدي المكان: بمعنى ضرورة أن تقام المنشآت النووية في مناطق مدروسة بعناية فائقة، كبعدها عن الهزات الأرضية الكبرى وتجنبها احتمالات الكوارث الطبيعية كالفيضانات والأعاصير، وبعدها أيضاً عن المناطق الآهلة بالسكان.

 2- تحدي السرقة: ويقصد بذلك احتمال نجاح بعض الأفراد أو الجهات في سرقة مواد نووية يمكن استخدامها بعد ذلك لأغراض غير سلمية. وبطبيعة الحال فإن الممارسات الأمنية متفاوتة من دولة إلى أخرى. ففي الكثير من الدول قد تكون مثل هذهالمواد خاضعة لقدر ملائم من الحماية والسيطرة والضبط، في حين لا تتوافر تلك الإجراءات الأمنيةبالشدة نفسها في مناطق أخرى، وقد ظهرت بالفعل تقارير عن اختلاس وسرقة وتهريب مواد نووية من بعضالمرافق في عدد من الدول لاسيما تلك المستقلة حديثاً عن الاتحاد السوفييتي السابق، كما كانت هناك تقارير مشابهة من دول أخرى حول العالم. ومن ثم، يجب على الدول حديثة العهد باستخدام الطاقة النووية السلمية – ومنها الدول الخليجية- أن تتنبه إلى هذا التحدي مبكراً وتعطي له أولوية متقدمة في مشروعها النووي.

3- تحدي الإرهاب: حيث تمثل التنظيمات الإرهابية أحد أخطر التحديات التي تواجه الأمان النووي بشكل عام، وقد جاء في دراسة صادرة عن مؤسسة راند للأبحاث أنه (يكاد لا يوجد الآن خبراء لا يعتقدونأن هناك على الأقل بعض الإرهابيين الذين يريدون أن يوقعوا عدداً كبيراً جداً من الإصابات. وفي هذا السياق، لا يمثل الإرهاب النووي مجهوداً للترهيب والإكراه فحسب،بل إنه يشكل أيضاً تهديداً بالغ الخطورة للدول والشعوب حول العالم). وتحظى منطقة الخليج بأهمية خاصة في هذا الخصوص، لا سيما أن تنظيم (القاعدة) يضع هذه المنطقة على رأس أولوياته منذ التهديد الصريح والمباشر الذي أطلقه أسامة بن لادن عام 2005 في هذا الشأن وهو التهديد الذي تكرر مرة أخرى في سنوات لاحقة، سواء على لسان ابن لادن أو على لسان قيادات أخرى في التنظيم، وليس معنى عدم تنفيذ تلك التهديدات زوال خطرها، بل يجب التنبه والاستعداد لها بشكل دائم ومستمر، والعمل على توفير المتطلبات اللازمة لحماية المشروع النووي الخليجي من خطر استهداف التنظيمات الإرهابية له وعلى رأسها تنظيم القاعدة.

 ويمكن القول إن استهداف التنظيمات الإرهابية لأي برنامج نووي، يمكن أن يتم من خلال عدة سيناريوهات، منها على سبيل المثال: أ- سرقة مواد قابلة للانشطار لصنع سلاح نووي، حيث يمثل الحصول على تلك المواد إحدى الطرق المحتملة لامتلاكالإرهابيين سلاحاً نووياً. ب- القيام بهجمات على المفاعلات النووية، وما قد يترتب على ذلك من إحداث تلوث إشعاعي كبير في المناطق المجاورة لها.

 4- تحدي التسرب النووي والنفايات النووية: تعد مخاطر حدوث أي تسرب نووي من التحديات الرئيسية التي تواجه الأمان النووي بشكل عام، لذلك نجد أن محور هدف تقنيات سلام المفاعلات النووية المختلفة إنما يتركز في اتجاه منع خروج المواد الانشطارية من قلب المفاعل إلي محيطة الخارجي. والذي قد يحدث نتيجة لظروف التشغيل الشاذة، أو أعطال المنشأة النووية أو أخطاء التشغيل البشرية أو التخريب المتعمد داخل المفاعل النووي. ومن ناحية أخرى، لا تزال هناك مخاوف عامة من مخاطر تخزين النفايات النووية لآجال طويلة، وحتى هذه اللحظة لم تنجح أية دولة في بناء مستودعات ثابتة للنفايات النووية العالية النفاذ، والدولة الوحيدة التي حصلت على موافقة شعبها لبناء مثل هذا الموقع هي فنلندا.

  ثالثاً: المشروع النووي الخليجي ومتطلبات الأمان النووي

من خلال تحليل بسيط لمضمون التقارير الدورية السنوية التي تصدرها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن إجراءات ومتطلبات الأمان النووي، يمكن استخلاص مجموعة من الإجراءات –أو بالأحرى التوصيات- التي تشدد عليها الوكالة الدولية والجهات الأخرى المعنية في ما يتعلق بالأمان أو السلامة النووية، وذلك بغية الاستفادة من فوائد الطاقة النووية وجوانبها الإيجابية في شتى المجالات مع خفض المخاطر الناجمة عنها إلى الحد المقبول، وتتمثل في:

 1- توفير البنية التحتية اللازمة للنهوض بمتطلبات الأمان النووي، بما يشمله ذلك من توفير كافة المعدات والتجهيزات الفنية اللازمة للأمان النووي، وتوفير الخبرات البشرية الملمة بإجراءات الحماية والسلامة النووية، ووجوب وجود تنظيم إداري فعال داخل كل منشأة نووية ينهض بمهمة تنظيم تلك الخبرات البشرية على أفضل نحو ممكن.

 2- بناء وتكوين كادر وطني علمي وفني ومهني متخصص في شؤون الطاقة النووية والاستخدامات السلمية وحماية البيئة من أضرار التعرض للإشعاعات والعمل علي صقلهم بالتدريب من خلال ربطهم في برامج تدريبية في مختلف العلوم والتقنيات النووية التي تنظمها الهيئات الدولية المتخصصة أو يمكن منحها من دول نووية متقدمة، على أن تضم هذه الهيئة كوكبة من أفضل الكوادر العلمية والفنية من ذوي الكفاءات وفي مختلف الجامعات والمرافق الحكومية المناظرة ذات الصلة بالاستخدامات السلمية للطاقة النووية (كوزارات النفط والكهرباء والصحة والزراعة والصناعة... إلخ).

 3- توفير إجراءات محددة لضمان أمن وسلامة المفاعل النووي بدءاً من عمليات التصميم الهندسية والإنشاء والاختيار وانتهاء بالتشغيل العادي والطارئ للمفاعل، ومن أبرز تلك الإجراءات: أ- ضمان نوعية مكونات المنشآت الكهرونووية وفقاً لمواصفات التصميم الهندسي والتقني المقررة. ب- تصميم أجهزة سلام ذات كفاءة عالية، وتملك جاهزية دائمة ومتنوعة الأدوار لمواجهة ظروف التشغيل الشاذة. ج- تصميم أنظمة سلام للوقاية من الحوادث الكبرى بعيدة الاحتمال، كفقد سائل التبريد الأولي والأخطاء البشرية والأحداث الطبيعية الحادة (زلازل، أعاصير، وفيضانات) وغيرها من إجراءات أمن وسلامة أخرى تتخذ لضمان سلامة وامن المفاعل النووي.

 ومن ثم، تشكل اعتبارات السلامة وتقنيات السلامة الهندسية أحد أهم المعايير ذات الصلة بالأمان النووي، فعلى سبيل المثال، نتجت حادثة مفاعل تشرنوبيل من أن هذا النوع من المفاعلات لم يكن يتضمن في الأسس التصميمية له وجود مبنى حاو لقلب المفاعل والذي يعمل على احتواء المواد المشعة في حال وقوع حادث نووي لقلب المفاعل والذي قد ينتج للعديد من الأسباب مثل فقدان سوائل التبريد وبالتالي منع انتقالها إلى البيئة وانتشارها.

 4- إنشاء لجان وطنية تنظم القواعد التي تحكم كافة الممارسات التي تتضمن إشعاعات مؤينة أو مصادر مشعة، وأن تتولى تلك اللجان مهمة نشر الوعي بالمخاطر النووية ونشر ثقافة الأمان بين العاملين بالإشعاعات أو المواد المشعة على كافة المستويات، ومراقبة تنفيذ كافة القياسات النووية اللازمة لتحقيق الحماية المطلوبة، والإشراف على وضع خطط مسبقة وفعالة في حالة حدوث طوارئ معروفة مسبقاً للعاملين، وذلك بوضع تصورات لحوادث مختلفة محتملة بناء على الخبرة المتوفرة .

 5- وضع كشوفات دقيقة تتضمن معلومات تفصيلية –كمية ونوعية- حول كافة المواد التي تستخدم داخل المنشأة النووية، ومراجعة تلك الكشوفات بشكل دوري ومنظم كي لا تتعرض للسرقة أو التهريب إلى الخارج، ويمكن في هذا السياق الرجوع إلى (خطة العمل لسلامة وأمن المصادر الإشعاعية) التابعةللوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتطبيق ما فيها من أحكام وقواعد في هذا الشأن، وتعد تلك العملية من أهم متطلبات الأمان النووي وأضخمها في الوقت ذاته، سواء من الناحية المالية أواللوجستية.

 6- تفعيل عمل هيئات الطاقة الذرية الوطنية في كل دولة، وتوسيع اختصاصاتها وصلاحياتها وكادرها الفني والعلمي والإداري واعتماد الموازنة المالية وما يفي ويكفي لتنفيذ المهام والاختصاصات المنوطة بها، وخاصة ما يتعلق بحماية البيئة والسكان والوطن من أي احتمالات التعرض لإشعاعات ومواد نووية مشعة.

 7- بناء قاعدة بيانات للمعلومات النووية والاستخدامات السلمية ونتائج الدراسات والبحوث الجيولوجية والفيزيائية والكيميائية وغيرها ذات العلاقة بشؤون الطاقة النووية، على أن تنشأ داخل هيئات الطاقة الذرية الوطنية دوائر متعددة تكون ذات اختصاصات علمية وفنية، كدائرة المواد المشعة وتتضمن شعباً أكثر دقة في التخصص وتسمى كل شعبة باسم العنصر المشع الذي تتخصص في متابعة كافة متعلقاته وجوانبه، ودائرة الوقاية الزراعية، ودائرة الوقاية الغذائية، ودائرة الوقاية الطبية، ودائرة المختبرات، ودائرة المخلفات النووية، ودائرة المسح الجيولوجي، ودائرة التوعية الثقافية والإعلامية، ودائرة البحوث والدراسات الاستراتيجية النووية، وغيرها من الدوائر اللازمة.

 8- السعي نحو المشاركة الفاعلة في أنشطة التعاون العلمي والتكنولوجي مع الهيئات الدولية، كالهيئة العربية للطاقة الذرية والوكالة الدولية للطاقة الذرية وهيئات رسمية تابعة لبلدان نووية، وذلك لإقامة البنى الارتكازية الأساسية لبرنامج الاستخدامات النووية السلمية وحماية البيئة من أضرار التعرض للإشعاعات.

 9- تنظيم دورات تدريبية حول إجراءات السلامة والأمنالنوويين في محطات توليد الطاقة الكهربائية التي تعمل بالوقود النووي، وأن تقوم الجهات المختصة بالطاقة النووية بتنظيم هذه الدورات بالتعاون مع الوكالةالدولية للطاقة الذرية. وتستهدف مثل هذه الدورات مساعدة خبراء الأمان النووي في البلد المعني على تنمية خبراتهم فيمجال السلامة النووية وتأمين محطات توليد الكهرباء ووضع أفضل شروط سلامة ممكنة فيالمحطات الجديدة.

 10- بالنظر إلى أن إدارة النفايات تعتبر أحد مصادر القلق البارزة لدى العامة - رغم أن إحدى مميزات الطاقة النووية مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى هي الحجم الصغير للنفايات التي تنتجها- فإن الإدارة الآمنة للمخلفات تتطلب موارد مالية كافية وأنظمة كافية للسيطرة على كافة المصادر الإشعاعية. أما في ما يتعلق بالإدارة والتخلص النهائي من النفايات عالية المستوى الإشعاعي، فإن هناك حاجة لاتخاذ قرارات ببناء مستودعات نهائية لتخزينها. ويوافق الخبراء على أن الحلول الفنية موجودة للتخلص الآمن والدائم من النفايات النووية، لكن الجمهور لن يقتنع بأن مسألة النفايات قد تم حلها إلا إذا لمس ثمار الحلول على أرض الواقع.

 في النهاية ينبغي التأكيد على أن العامل النووي أو ما يمكن تسميته بـ (القلق الشعبي حول السلامة النووية) في العديد من الدول، يعتبر عاملاً حاسماً في ما يتعلق باتخاذ قرارات لبناء محطات نووية سلمية، ويجب على دول مجلس التعاون الخليجي - وأية دولة عموماً تسعى إلى بناء محطات نووية سلمية- الإعداد له جيداً ووضعه على رأس أولويات المشروع النووي إذا أريد له البقاء والاستمرار وتحقيق الهدف المرجو منه، فالسلامة النووية لا يمكن الإعلان عنها فقط وإنما يجب إثباتها على أرض الواقع.

مقالات لنفس الكاتب