النزاعات ذات الطبيعة العسكرية والاقتصادية، والاضطرابات الاجتماعية سمة أساسية لأغلب دول منطقة شمال إفريقيا وشرق المتوسط، فعسكريا يمكن تعداد خمس مناطق للتوتر العسكري الذي يتراوح بين الامتدادات الثنائية للدول، أو الإقليمية، أو حتى ذات الصبغة الدولية. ناهيك عن الاضطرابات السياسية والإثنية والدينية والاجتماعية التي تغديها تناقضات موضوعية مترتبة عن نزعة هوياتية غير مكتملة أو غير ناضجة، انعكست على أزمة مسار بناء الدولة لما بعد الاستعمار الغربي للمنطقة.
ويصعب تحديد منطقة شمال إفريقيا وشرق المتوسط تحديدا جغرافيا دقيقا، لكن عموما هناك تحديد واسع يمتد غربا إلى ما حدود نهر السينغال، وغربا إلى الحدود مع إيران. وتنطيق ضيق يحصر المنطقة في الدول المطلة على البحر المتوسط.
والإمعان في محاولة تحقيب وتبويب وتحليل الأزمات قد يأخذ مجالا لا تستوعب حيزه هذه الدراسة، لذلك تقتصر على محاولة تتبع وفهم المقومات التي تعمل على تأجيج الخلافات ذات الطبيعة المتنوعة، وكذا الحلول القانونية والسلمية الممكنة لمجمل المشاكل التي تعرفها منطقة شمال إفريقيا وشرق المتوسط، وهذه الحلول تناسب الواقع الذي أوجد هذه الأزمات ذات المسارات والانعكاسات المتعددة، سواء على مستوى الاستقرار السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي.
أولا: شروط تجاوز التناقضات الموضوعية
قبل وضع التصورات الممكنة تطبيقيا لفرض واقع سلمي بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، يجب تحديد الحاجيات الاستراتيجية الموضوعية لإيجاد فضاء قابل للتوافق، وهو أمر يرتبط بالجوانب التالية:
أ-تجاوز تناقض بناء الدولة الوطنية: لقد ورثت المنظومات الاجتماعية للمنطقة الجنوبية للمتوسط، في الغالب، دولة وطنية بدون روح، حيث كان الاستعمار الغربي قد شكل فضاء سلطويا قائما على تجاوزات بينة السلطة التقليدية. وخروج معظم الدول الوطنية من الاستعمار الغربي ونشأة قوى وطنية متشبعة بمفاهيم تجاوز عراقيل الحضارة بنية السلطة التقليدية، وقد خلف ذلك تشبثا قويا بهوية ذاتية لبناء الدولة، يوازيه توجس كبير من محيطها غداه التبعات الاستعمارية لمفهوم الحدود. وهكذا أصبحت السلطة مرادفا للدفاع عن الحدود، وتعاظم دور المؤسسات العسكرية على حساب أنساق مدنية، وارتبط بهذه الدولة أشكال من الريع، حيث أصبح التوزيع السلطوي للقيم والمزايا مرتبطا بدرجات الولاء للدولة وسلطتها المركزية.
ب-تجاوز المنظومة الاقتصادية القائمة على الريع: ذلك إن الاقتصاديات المرتبطة بالتنمية تحتاج إلى قدر وافر من التنافسية، فالريع الاقتصادي يحد من قدرات الدول على الانفتاح، ويصبح الاقتصاد مبنيا في أكثر من تسعين بالمائة منه على الثروات الذاتية للدولة، وغالبا ما يكون الأمر خاصا بمنتوج طاقي فريد كالغاز أو البترول مثلا، ويرتبط وجود الدولة بتدبير هذا المنتج، ويحيط بتدبيره مجوعة مستفيدة على حساب غالبية السكان لاعتبارات تقدير القرب والبعد الخاص بالولاء للنظام السياسي.
إن تنوع الأنشطة الاقتصادية الممارسة من طرف الدولة أو الأفراد ينعكس على البنية الاجمالية سواء الداخلية، أو الإقليمية، فالتنافسية تخلق مجالا اقتصاديا تنافسيا داخليا ومندمجا إقليميا. ويمكن القول إن حجم التجارة البينية بين دول منطقة شمال إفريقيا وشرق المتوسط يعد عاملا موازيا في تخفيف التوجهات الصدامية أو غير السلمية، لذلك فشرط البناء السلمي يمر أساسا على بنية المزايا الاقتصادية، فبنية تنازعية تعكس بالضرورة منظومات منغلقة وغير تنافسية.
ت-تجاوز الاستراتيجيات النازلة والصاعدة، والارتكاز على استراتيجية المحيط: فتتبع مجمل الاستراتيجيات التي تتبناها دول المنطقة يستنتج منه أنها تتجه نحو مسارات غير أفقية، فمجمل هذه الدول لها ارتباطات استراتيجية مع ضفة المتوسط الشمالية فيما يتعلق بالمستوى الاقتصادي بالخصوص، ولها رؤى نحو الداخل الإفريقي فيما يخص النزعة النفعية، ويعد هذا الأمر منفرا من إنجاح استراتيجيات أفقية تجمع هذه الدول. ولعل المشكل يكمن في مستوى القوة الاقتصادية المتعادل بين هذه الدول، فاستراتيجياتها قائمة على الترابط مع دول أقوى أو دول أضعف، فيحين لا تجد مساراتها الندية مجالا للانتشار والتطور.
ج-تجاوز مفهوم الارتهان الخارجي: تشكلت في منطقة شمال إفريقيا منظومة ولاءات للخارج، أصبح معها القرار الداخلي مرهونا بالوفاء للجهة الحاضنة على المستوى الخارجي، وقد لعبت في ذلك عوامل متعددة، يمكن اعتبار فعل الانتماء الإيديولوجي خلال الحرب الباردة التي تزامنت مع استقلال هذه الدول أهمها. كما أن الولاء الخارجي بقي معيارا لتحديد السلطة الداخلية لهذه الدول، فكثير منها بقي واستمر في ممارسة السلطة داخليا ارتباطا بالمزايا الاستراتيجية التي قدمها لجهة خارجية، إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، والدليل الأكبر في فترتنا هذه هو استعانة أنظمة سياسية بقوى أجنبية للاستمرار في النموذج السلطوي، ولو على حساب مقدرات الدولة واستقرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
إن الحلول ذات الصبغة السلمية في المنطقة لا يمكن أن تكون محلية في كل حال، فالمجال الحيوي الذي يشكله هذا الفضاء لا يمكن أن يبقى بعيدا عن أعين القوى العالمية الكبرى، فالمطلوب ليس هو فك كل أشكال التوافق مع هذه القوى ولكن إيجاد مجال لتحرك الدول بعيدا عن وصايتها.
ثانيا: المعطيات الداعمة لفرض المقاربات السلمية والقانونية
تتمتع المنطقة بخصائص داعمة للتوافقات ذات الطبيعة السلمية والقانونية، فهي فضاء ينتعش بخصوصيات جامعة تكيفت مع التنوع والغنى الذي تراكم زمنيا وحضاريا وموضوعيا، ومن ذلك:
- الوجدان الحضاري الجماعي، حيث إن المنطقة تجمع إرثا تاريخيا جماعيا، فتجتمع فيها حضارة متوسطية وثقافة وسطية، ساهم فيها التراكم الحضاري المتزامن بين شمال وجنوب ضفة البحر الأبيض المتوسط. لقد تأثرت المنطقة عموما بتواتر الحضارات الفرعونية واليونانية والرومانية والإسلامية على وجه الخصوص، وقد كان ذلك عاملا مساعدا على تكثيف الترابط الحضاري، رغم ماضي الصراع الكبير حول أحقية كل حضارة ببسط نفوذها. وفي منطقة شمال إفريقيا وشرق المتوسط يعتبر عامل الوحدة شبه التامة على المستوى الديني، معيارا مهما للتقارب والتآزر، لكن لم يثبت لحد الآن أن معيار الدين وحده يمكن أن يكون الرافد الوحيد للوحدة، بل كان عاملا مساعدا على تجذر السلطة السياسية بالمنطقة، وقد ساهم ترهل الحركات الدينية السياسية في التوجه أكثر نحو التركيز على بناء الدولة بناء سياسيا أكثر منه دينيا، كما حدث مع التحولات الكبرى داخل الفضاء المسيحي، مع الثورة الثقافية الدينية.
إن العامل الحضاري الجمعي بالمنطقة، والذي يقحم جوانب متعددة يمكن أن يكون عامل توحيد وترابط بين دول المنطقة، كما لازال يشكل تهديدا لهذا التوافق بالنزعات الهوياتية والدينية الضيقة.
- وجود مصالح مشتركة وحاجة للتوافق بين دول المنطقة: العديد من الثروات الباطنية البرية والبحرية، كما هو الشأن بالنسبة للثروات السمكية، أو الثروات الطاقية كالغاز والبترول يمكن أن تتضمن سياسات مشتركة بين دول منطقة شمال إفريقيا وشرق المتوسط في إطار شراكات اقتصادية كبرى، كما يمكن أن يكون تيسير العبور والنقل والتنقل عاملا من عوامل زيادة النواتج الداخلية الخام لهذه الدول، ناهيك عن كون الجوانب الاقتصادية والاجتماعية المشتركة يمكن أن تكون مقدمة لمسارات اندماجية تنموية.
التساؤل الذي يطرح هو توجهات أحادية لبعض دول المنطقة، التي تتسم سياساتها بالانعزالية والتدخلية والانفعالية، والركون إلى مفاهيم تنتمي لمرحلة الحرب الباردة، حيث يبدو أن سياساتها تقوم على مفهوم الهيمنة بدل التعاون، ولذلك تبقى أغلب حدودها ومعها حدود المنطقة مجالات للصراع والحروب والنزاع بدل أن تكون مجالات للتوافق والتقارب بين هذه الدول. ولعل جزءا من تفسير توجهات الدول الانفعالية والأبوية والتصادمية هو المعطيات التي تم توصيف بها الفقرة السابقة من هذه الدراسة.
ومن المفروض أيضا التساؤل عن المآلات الفاشلة لبعض الاندماجات الإقليمية، كما هو الشأن بالنسبة لتجمع الدول المغاربية أو التوافقات الاقتصادية والوحدوية الأخرى التي عجت بتجاربها المنطقة، فالغالب أن هذا الفشل يعود بالأساس إلى تضخم المقومات الدولتية الداخلية على حساب التعاون الإقليمي، وهو راجع أيضا إلى انعدام الثقة في محيط الدولة وجعل السلطة خادمة لمفهوم حماية الحدود، الذي يكون في الغالب مبررا للحفاظ على استمرار السلطة السياسية داخليا أيضا.
ج-من العوامل المساعدة على بناء فضاء متجانس اقتصاديا، سلمي ومرتكز على وسائل قانونية ثابتة، إمكانية استغلال وجود تحول دولي في أنساق التحالفات، حيث أنه يبدو أن العالم الذي يريد أن ينفلت من هيمنة قوة اقتصادية واحدة، وبناء منظومة موازية قائمة على التنوع والندية يناسب التوجه نحو فرض الرؤى الاندماجية على مستوى التنظيم على الأقل. وبذلك فإن المجال في منطقة شمال إفريقيا وشرق المتوسط يخول لدول هذه المنطقة إمكانية فرض نسق جديد من الشراكات تتفلت من أبوية رؤى القوى التقليدية التي تعاني من ترهل على مستوى اقتصاداتها، وكذا تحول مفاهيمي نحو اليمينية على المستوى السياسي. وهذا الوضع يعد أكثر تناسبا مع السعي لتنسيق أكبر، مع مراعات مصالح قوى أخرى، كما هو الحال بالنسبة للصين وروسيا من أجل إنجاح تجارب اندماجية مؤسسة على السلمية والنزعة النفعية بحمولة حضارية.
ثالثا: فرص رتق القضايا عن طريق المقومات السلمية والقانونية
لم تخل منطقة تاريخيا من مشاكل متعددة ذات طبيعة اقتصادية وسياسية واجتماعية، ومسارات البناء التي أنتجت الدولة الوطنية جاءت بعد مجهودات جبارة تجاوزت الكيانات السلطوية الوسيطة السابقة، من قبيلة وعشيرة وأسرة وغيرها، لذلك ففرص إنجاح الانتقال من منطق الأزمة، أو حتى منطق التباعد، إلى منطق التقارب والتعاون وحل الخلافات لابد أنه يمر، في شق أساسي منه، من المستوى السلمي والقانوني، وفي منطقة شمال إفريقيا وشرق المتوسط يمكن أن ترتكز هذه الوسائل على المستويات التالية:
- آلية التشبيك الاتفاقي على المستوى الاقتصادي:
عرفت منطقة شمال إفريقيا تجارب اندماجية متعددة وتوافقات اتفاقية كثيرة، ويمكن عد مئات الاتفاقيات إما بصيغة ثنائية أو جماعية، ولم تعرف هذه التجارب الاندماجية في أغلبها طريق للنجاح.
لقد وضع منظرو الاندماج الاقتصادي تصورات ومراحل للوصول إلى التكامل المطلوب. وهكذا كانت مجمل النظريات تصب في الانطلاق من منطقة التبادل الحر، ثم الاتحاد الجمركي فالسوق المشتركة، وصولا إلى الوحدة الاقتصادية وبعدها الاتحاد أو الاندماج النقدي. ولإن كانت هذه التجربة تنطبق على الوحدة الأوربية بالأساس إلا أنها تحتاج إلى شروط موضوعية أخرى من قبيل شرط التوافق السياسي، وهو في هذه الحالة المنهج الديمقراطي الذي اعتمدته هذه الدول، كما يمكن إضافة شرط المحيط الذي كان يلائم سعي الولايات المتحدة الأمريكية لكسب حليف ليبرالي قوي في أوربا الغربية بعدما سيطر الاتحاد السوفياتي السابق على مجمل أوروبا الشرقية. ولعل شروطا تقنية أخرى ضرورية من قبيل تيسير الانتقال وحرية التجارة ووجود اقتصاديات منفتحة وغير ريعية وتنافسية أهمها.
لذلك يمكن تبرير فشل التجارب الاندماجية وترهلها في منطقة شمال إفريقيا وشرق المتوسط بغياب وعدم تجدر الشروط السابقة مجتمعة، وهي بذلك تحتاج إلى نموذج أصيل في الاندماج والتوافق الاقتصادي الإقليمي.
وخصوصية المنطقة تستدعي أولا الحديث عن إمكانية وضع منطقة مندمجة واحدة أم مجزأة إلى شطرين، وما هما الشطران المتناسبان؟
الاحتمال الأول؛ أي إيجاد منظمة مندمجة كليا تجمع كل المنطقة، لا يوجد مانع له من الناحية التصورية، حيث تملك المنطقة بشكل جماعي قدرة أكبر على التأثير في مسارات العلاقات الدولية ذات الطابع الاقتصادي، ويمكن اعتبار التكامل في مجال الإنتاج عاملا مساعدا من ناحية، حيث تتوزع الثروات بين الطاقة والفلاحة والخدمات والصناعة، وهي مجالات متكاملة بشكل يناسب الحاجة لكل طرف للطرف الآخر بالمنطقة. ناهيك عن الاستفادة من الممرات البحرية المهمة بها، وهي ممر جبل طارق وممر السويس، وحتى باب المندب، والبسفور والدردنيل، حيث تمر أكثر من نصف التجارة العالمية من حيث المسارات التجارية.
إن الإشكالات التي تعترض هذا المسار تتمثل أساسا في التهديد السياسي الذي يشكله قضايا مستعصية على الحل، كما هو الحال بالنسبة للقضية الفلسطينية، أو المسألة اللبنانية والسورية والليبية، وهذا يعني أن الإشكالات السياسية تتفوق على الرؤى الاقتصادية والتنموية، ولعل ذلك راجع إلى الرهانات الخارجية والتوجهات الهيمنية والتناقض الموضوعي لهذه القضايا.
أما بالنسبة للاحتمال الثاني، أي بناء منظومة في شمال إفريقيا وأخرى في شرق المتوسط فتعتبر من الاحتمالات التي سبق تجريبها سواء في إطار المنطقة المغاربية أو شرق المتوسط، وكلها كانت تبدأ بحماس كبير وتطلعات تصورية مهمة لكن تنتهي بمسارات التناقض التام وغلق الحدود كما هو الحال في التجربة المغاربية، حيث لازالت الحدود المغربية الجزائرية مغلقة بقرار من الحكومة الجزائرية لأكثر من ثلاثة عقود.
ولا تعتبر التجارب الاندماجية الأخرى أحسن حالا، حيث فشلت التجربة السورية المصرية، والتجارب الليبية مع عدد من الدول كما هو حال الاتحاد العربي الإفريقي بين ليبسا وتونس سنة 1974م، أو بين ليبيا والمغرب سنة 1984م.
إن العوامل الموضوعية تقول إن المجال الاتفاقي الاندماجي يجب أن يحظى بتصور خاص على المستوى النظري، تكون أهم سماته التواضع في الرؤية والتسلسل في النسق.
التوجهات السلمية والاتفاقية المتاحة للمجال يجب أن ترتكز على دراسة موضوعية لهذا المجال وتسليط الضوء على الجوانب التي يمكن أن تكون منطلقات للتوافقات الاتفاقية بين الدول من الناحية الجماعية، لأن الدول أحيانا تسعى، بدوافع سياسية، إلى إيجاد بدائل من نفس جغرافية المنطقة، كما تم في اللقاء بين الجزائر وتونس وليبيا، في مقابل تحييد المغرب من الفضاء المغاربي تبعا، في الغالب، للصراع بين المغرب والجزائر.
- تكثيف العمل الدبلوماسي التعاوني
تعاني الكثير من الدول من تبعات المشاكل المتخلفة من الاستعمار الغربي، وجلها يتشبث بالمزايا الجغرافية التي تتيحها بعض المبادئ الموروثة عن المنظومة الاستعمارية السابقة، بما فيها عدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار. ولئن كان للمبدأ شيء من الصحة فيما يتعلق بتجنب القضايا الخلافية بين الدول، فإن الاستمرار في نسق يوحي بالمظلومية بالنسبة لبعض الدول يبقي المنطقة في حالة استعداد مستمر للصراع، لذلك يبدو أن تفعيل دبلوماسية متحررة وصريحة بين هذه الدول مسألة مهمة، لأن البديل عن المظلومية التاريخية هي النفعية الاقتصادية والمزايا التنموية المشتركة. ويمكن القول إن الكثير من المشاكل القائمة سياسيا يمكن أن تحل بشكل نهائي في حال وجدت عقيدة التعاون والاندماج بينها.
ويمكن أن تكون أجهزة أولية لبناء منظمات إقليمية فاعلة مقدمة لهذا النسق القانوني والدبلوماسي، حيث إن إيجاد مؤتمر حول التوافقات الإقليمية بالمنطقة ستكون مقدمة لبناء منظمة إقليمية فاعلة ومتجاوزة للخلافات التاريخية.
إن الملاحظ هو غياب منظمة جامعة لهذه المنطقة غير تلك التي تجمع الدول العربية، أي جامعة الدول العربية، ويمكن أن تكون منظمة تدمج هذا الخليط من الدول، ليس على اعتبارات تعود إلى منطلقات تبين أنها متجاوزة عمليا كما هو حال الجامعة العربية، بل على أسس موضوعية ومصلحية، يمكن أن تعيد مفهوم العمل الجماعي المشترك في منطقة تعرف عدم استقرار متعدد الأبعاد، لذلك تظهر أهمية البناء المنظماتي الذي يمكن أن يتشكل في صيغتين:
- منظمة تنسيقية تدبر مرحليا الانتقال إلى منظمة فاعلة أو تقريرية، مهمتها العمل على تشبيك العلاقات السياسية وتجاوزها خلافاتها ومنطلقات إذكائها، وهذه المنظمة يمكن أن تشمل مجالا جغرافيا ممتدا من أقصى غرب المتوسط وشمال إفريقيا بما فيها مجالا يصل إلى السنغال وبعض الدول الحبيسة في الصحراء الكبرى، ومنها إلى أقصى شرق المتوسط بما فيها تركيا والعراق والأردن.
- تفعيل الطابع التقريري للمنظمات الاندماجية الموجودة أو المفترض وجودها، من قبيل الاتحاد المغاربي أو مجلس التعاون العربي الذي ضم مصر والأردن والعراق بداية تسعينيات القرن الماضي، وهو أمر يبدو أنه لا يجد مجالا للتطبيق للصعوبات الموضوعية التي ذكرناها سابقا.
ج-تفعيل التعاون لمجابهة القضايا الأمنية
تعرف المنطقة صعوبات ومشاكل أمنية كبيرة، سواء تعلق الأمر بالحركات والجماعات الإرهابية، أو بالاتجار الدولي في الممنوعات، أو بالهجرة غير النظامية والاتجار بالبشر. لذلك توجد فعليا سياسات دولية أو محلية لمكافحة هذه التحديات لكنها تبقى محدودة في مقابل الواقع المتزايد لهذه الظواهر، والتي تؤثر على الاستقرار الداخلي لهذه الدول وعلى أمنها الاستراتيجي.
يوجد التعاون الأمني في مستوى آخر تلعب فيه أغلب دول منطقة شمال إفريقيا وشرق المتوسط دورا أمنيا لصالح جزل شمال المتوسط، وغالبا ما يكون ذلك بمقابل مادي لا يتناسب مع حجم العمل الحقيقي الذي تقوم به هذه الدول لاستقرار دول أوربا المتوسطية الجنوبية، بذلك فتشكيل هيكل تنظيمي لمجابهة هذه الأزمات يمكن أن يحسن مكانتها التفاوضية على الأقل في مقابل دول شمال الضفة المتوسطية.
إن المتاح عمليا والممكن فعليا للتعاون، في منطقة تعرف شرخا حضاريا تاريخيا هي منطقة شمال إفريقيا وشرق المتوسط، يتسم بالغنى والقوة والتنوع، لكن آليات التنزيل والحلول الواقعية تبقى محدودو في مقابل الفرص الكثيرة المهدورة.