array(1) { [0]=> object(stdClass)#13667 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 206

البديوي: تسريع وتيرة مفاوضات التجارة الحرة بين دول الخليج والهند لإزالة الحواجز وفتح أسواق جديدة

الخميس، 30 كانون2/يناير 2025

تولي الهند منطقة الخليج العربي أهمية بالغة في سياستها الخارجية ليس فقط بالنظر للأبعاد المختلفة لعلاقات الجانبين والتي تتمثل في التبادل التجاري والعمالة والاستثمارات، ولكن بالنظر لأهمية تلك المنطقة ضمن ممر الهند-الشرق الأوسط – أوروبا المقترح من ناحية والتنافس الدولي تجاه منطقة الخليج العربي من ناحية ثانية.

وضمن هذا الإطار نظم مركز أبحاث السياسات العامة بالهند بالتعاون مع وزارة الشؤون الخارجية الهندية في مدينة كوتشي بولاية كيرلا الهندية" حوار كوتشي تحت شعار "سياسة الهند نحو الغرب: الشعب والرخاء والتقدم"، خلال الفترة من 16-17 يناير 2024م، والذي تحدث فيه خلال الجلسة الافتتاحية السيد جاسم محمد البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وشارك فيه عدد من سفراء دول الخليج العربي لدى الهند وعدد من الباحثين من الجانبين من بينهم كاتب هذه السطور.

وقبيل الخوض في تفاصيل المناقشات والتي تناولت العديد من القضايا التي تهم الجانبين ويتم العمل من خلالها لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بينهما تجدر الإشارة إلى أربع ملاحظات مهمة:

  الأولى: التوقيت المهم لانعقاد الحوار وخاصة في ظل اعتماد الهند على معظم احتياجاتها من الطاقة من منطقة الخليج العربي مع احتدام تهديدات الأمن البحري في مضيق باب المندب والبحر الأحمر بسبب الهجمات الحوثية.

والثانية: أن منطقة الخليج العربي من أكثر مناطق العالم التي استقبلت مبادرات لأمن الخليج ومن ثم كان لابد من التعرف على استراتيجية الهند بهذا الشأن وخاصة في ظل التنافس الصيني- الهندي في تلك المنطقة .

 والثالثة: طبيعة المشاركين حيث ضم الحوار مسؤولين وباحثين وكان أمراً مهماً لتكامل الرؤى.

والرابعة: أن هذا الحوار جاء بعد مشاركة جاياشا نكار وزير الدولة للشؤون الخارجية في الهند في حوار المنامة الأمني العشرين في ديسمبر 2024م، والذي أكد خلاله على أن أهمية منطقة الخليج للهند تتجاوز مسألة الوقود الأحفوري فهي منطقة مهمة بالنسبة للهيدروجين الأخضر، وستكون جزءًا من الممرات الخضراء"، وقال" إن حجم التبادل التجاري بين الهند ودول الخليج العربي الذي يبلغ 80 مليار دولار سنوياً، بالإضافة إلى وجود 9 ملايين عامل هندي في دول الخليج.

الأمين العام لمجلس التعاون يحدد مضامين وأهداف ومسارات الشراكة الخليجية ـ الهندية:

 

 خلال الجلسة الافتتاحية للحوار ألقى السيد جاسم محمد البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية كلمة تضمنت التأكيد على مرتكزات العلاقات الخليجيةـ الهندية ومن بينها العلاقات التاريخية منذ القرن الثامن عشر حيث كانت الهند  وجهة تجارية حيوية للخليج وخاصة في مجالات التجارة والثقافة والتعليم، وأن مدينة بومباي كانت مركزًا اقتصاديًا رئيسيًا في المنطقة يقصدها  التجار الخليجيون للعمل والإقامة فيها،  مشيراً إلى أن الحوار يعد فرصة حقيقية وجسراً للتفكير المشترك وتبادل الأفكار والآراء ليس فقط بين صانعي السياسات بل والباحثين وممثلي القطاع الخاص لمناقشة كافة القضايا ومنها التجارة، الاستثمارات، الأمن البحري، الطاقة  ،التعليم، التكنولوجيا، الصحة، الثقافة، الأمن الغذائي، تحديات التغير المناخي، والتأكيد على أن تحقيق التعاون ومواجهة التحديات يتطلب جهوداً مشتركة من الجانبين تمثل أساساً مهماً لتحقيق استدامة اقتصادية واجتماعية، محدداً مجالات يجب أن يوليها الطرفان أهمية مستقبلاً ضمن مسارات تلك الشراكة وهي التكنولوجيا والابتكار وخاصة التكنولوجيا المالية، والطاقة المتجددة لكونهما أساسان لتحقيق التنمية المستدامة، فضلاً عن مواجهة التغير المناخي وتعزيز الأمن الغذائي و تطوير سلاسل إمداد غذائية مستدامة وكذلك الاهتمام بتطوير تقنيات جديدة لإدارة الموارد المائية، بالإضافة إلى ضرورة تسريع وتيرة مفاوضات التجارة الحرة بين دول الخليج العربي والهند والتي من شأنها أن تسهم في إزالة الحواجز التجارية و فتح أسواق جديدة ،وبلغة الأرقام أوضح الأمين العام مؤشرات مهمة لنمو الشراكة الخليجية الهندية حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين في عام 2022م، حوالي 174,2 مليار دولار بما يمثل حوالي 11,3% من إجمالي حجم التجارة لدول الخليج، كما بلغت صادرات دول الخليج إلى الهند حوالي 90,8 مليار دولار ،فضلاً عن تجاوز الاستثمارات الخليجية في الهند 5,72 مليار دولار وهي مؤشرات مهمة تجعل من الهند شريكاً استراتيجياً على حد وصف الأمين العام.

كما أكد الأمين العام للمجلس على أن هناك خطوات مهمة تمت في سياق تطوير تلك الشراكة منها الاجتماع الوزاري الأول بين دول الخليج والهند عام 2022م، وتوقيع مذكرة تفاهم بين الخليج والهند تضمنت التعاون في العديد من المجالات، والاتفاق على خطة عمل مشتركة بين الجانبين خلال الفترة 2024-2028م، والتي تعد تطوراً مهماً في سياق العلاقة بين الجانبين، معرباً عن تفاؤله وثقته بتطور تلك العلاقات نحو آفاق أكبر في المستقبل في كافة المجالات.

منظور الهند للشراكة الاستراتيجية مع دول الخليج العربي

خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية قال السيد كيرتي فاردان سينغ، وزير الدولة للشؤون الخارجية في الحكومة الهندية
"إن موضوع "سياسة الهند للتوجه غربًا: الناس، الازدهار والتقدم" قيد التنفيذ وأن حوار كوتشي يعكس بوضوح الركائز الثلاثة لذلك التوجه والذي يتأسس على أبعاد تاريخية مهمة ، فضلاً عن  الرغبة المشتركة في استمرار التقدم والازدهار،  مشيراً إلى أن ذلك يتجلى  من خلال الجالية الهندية النابضة بالحياة التي يبلغ عددها حوالي 9 ملايين شخص في دول الخليج العربية، بالإضافة إلى أكثر من 160 مليار دولار أمريكي حجم التجارة السنوية بين الجانبين،
مؤكداً على أنه بدلاً من النظر إلى "علاقتنا مع هذه المنطقة من منظور الطاقة والتجارة فقط، فقد سعت حكومة الهند، بقيادة رئيس الوزراء السيد ناريندرا مودي، إلى التعاون المنظم في قطاعات تشمل الطاقة المتجددة، التقنيات الناشئة، الابتكار، الرعاية الصحية، الفضاء والدفاع"، وأضاف "لقد أضاف الإعلان عن الممر الاقتصادي الهندي-الشرق الأوسط-أوروبا في قمة مجموعة العشرين في نيودلهي منظورًا واعدًا جديدًا للتجارة والاتصال.
وأنه من  الملائم أن يجري هذا الحوار في إطار المسار 105 حول هذا الموضوع في ولاية كيرلا، التي مثل الأساس الأول لانطلاق تلك العلاقات"

 

التجارة والاقتصاد والاستثمارات: الفرص والتحديات

شهد هذا المحور مناقشات مهمة، وكانت الفكرة الأساسية هي أن الحديث ليس عن رصد المؤشرات وهي عديدة من بينها وجود تطلعات بين الهند والإمارات لزيادة الاستثمارات المتبادلة إلى نحو 100 مليار دولار  بحلول عام 2027م، وذلك على سبيل المثال لا الحصر ولكن النقاش كان حول تحدي الزمن وسعي الطرفان لتحقيق ذلك قبل ذلك التاريخ وخاصة أن هناك مشروع ممر الهند -الشرق الأوسط أوروبا والذي شهد أيضاً توقيع بعض الاتفاقيات دعماً لذلك الممر، وترتبط أيضاً بمجالات التعاون الاقتصادي التعاون في التكنولوجيا والأمن السيبراني من خلال آليات عملية قابلة للتنفيذ والتقييم ضمن مدى زمني محدد، وقد جاءت زيارة رئيس الوزراء الهندي  ناريندرا مودي  للكويت في ديسمبر 2024م، كمؤشر مهم على تطور علاقات الهند بالخليج وحضوره حفل افتتاح "خليجي 26" كضيف شرف بدعوة من سمو أمير دولة الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، بالإضافة للقاءات المسؤولين في الكويت من مختلف المستويات، كانت هناك فرصة للالتقاء بالجالية الهندية التي تبلغ 4 ملايين فرد في الكويت ،وكذلك الالتقاء بأعداد كبيرة من جهات مختلفة بالكويت، ومن بين الفرص الاستثمارية التي تمت مناقشتها في حوار كوتشي المشروعات الواعدة في دول الخليج العربي ومنها مشروع نيوم بالمملكة العربية السعودية، ولدى الهند أيضاً فرصاً واعدة وخاصة أنها لديها تصنيع السفن محلياً وهو أحد المجالات التي تهم دول الخليج العربي، بالإضافة للنقاش حول منطقة التجارة الحرة وأهميتها للطرفين وخاصة الموقع الاستراتيجي لدول الخليج ودوره في تحقيق أهداف الجانبين ومنها موقع البحرين في قلب الخليج العربي، وتوقيع اتفاقيات منع الازدواج الضريبي وضرورة أن تشمل كل دول الخليج العربي مع الهند حيث لاتزال هناك دول خليجية لم توقع تلك الاتفاقيات مع الهند، فضلاً عن أهمية دور الهند في تأسيس المدن الذكية في منطقة الخليج العربي وهي أحد طموحات تلك الدول والتي بإمكانها الاستفادة من الخبرات الهندية في ذلك المجال، بالإضافة لضرورة الاهتمام بالسياحة وكذلك السياحة العلاجية وخاصة أن هناك العديد من أبناء الخليج العربي يأتون للهند لهذا الغرض وخلاصة هذا المحور أنه لابد من وضع خطط واستراتيجيات شاملة حول تطوير السياحة وشمول تلك الخطط كل دول الخليج العربي مع آليات محددة لتنفيذها.

 

 التعاون بين الهند ودول الخليج العربي في مجالي الطاقة والابتكار            

 

في الوقت الذي تستورد فيه الهند نسبة كبيرة من احتياجاتها النفطية من منطقة الخليج العربي، فإن تلك الدول في الوقت ذاته لديها خطط للتحول نحو الطاقة النظيفة وتحقيق الحياد الصفري الكربوني مملكة البحرين 2060م،  وسلطنة عمان 2050م، على سبيل المثال لا الحصر وهو هدف لدى الهند أيضاً من خلال خططها في هذا الشأن لعام 2070م،ولذلك تستهدف الهند أن يكون لها دور مهم في مجال الهيدروجين الأخضر في منطقة الخليج ولكن التساؤل المهم الذي أثير خلال النقاش هو هل تؤدي الخطوات التي يتم اتخاذها في هذا الشأن إلى النتائج المرجوة؟ ، والإجابة هي أن هناك نتائج تحققت بالفعل ولكن لابد من المزيد في ظل توقعات بأن الطلب على الطاقة في العالم سوف يزداد بنسبة 24% خلال الفترة من العام 2030 إلى 2050م، بما يعني أنه ستكون هناك فجوة يجب العمل على تلبيتها، وهناك جهود للتحول نحو الطاقة الخضراء وتوجد نماذج مهمة في كل من الإمارات، البحرين، وكافة تلك الجهود تندرج تحت مفهوم أمن الطاقة الذي يتأسس على أمرين هما تنوع الطاقة وتنوع الاقتصاد وهما هدفان لدول الخليج العربي والهند في الوقت ذاته،  والهند لديها شراكات مهمة مع بعض دول الخليج العربي في هذا الشأن ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال التعليم، التدريب، الاستثمارات.

ولتحقيق المزيد من التعاون بين الهند ودول الخليج العربي في مجالي الطاقة والابتكار يجب أن تكون هناك مرونة في الإجراءات الخاصة بالمستثمرين في القطاعين العام والخاص، فضلاً عن الاتفاق على تحديد احتياجات الطرفين في هذا المجال، بالإضافة إلى أهمية تشارك المعرفة وبناء القدرات البشرية والهند لديها خبرات مهمة في هذين المجالين، إلا أن التحدي ربما يكمن في تعريف مسألة أمن الطاقة وماذا يقصد بها للطرفين؟ وتوجد جوانب عديدة لمفهوم أمن الطاقة منها استقرار الأسعار في الأسواق العالمية ومدى الاستعداد للتعامل مع احتمالية تغير تلك الأسعار، دعم الاتصالات بين الشركات المعنية بالطاقة في الجانبين وهو ما يقدم قيمة مضافة للعلاقات بين دول الخليج العربي والهند، ويوجد جانب آخر لأمن الطاقة من خلال تجربة دولة الإمارات في تأسيس مفاعلات نووية للأغراض السلمية ضمن مفهوم الطاقة النظيفة، وقد أثير تساؤل مهم: هل نتحدث عن وجود مشروع بشأن الطاقة بين الهند ودول الخليج العربي من خلال مجلس التعاون كمنظمة؟ أم أن الحديث يدور فقط حول العلاقات بين الهند ودول الخليج العربي بشكل ثنائي؟ وحتى الآن يتم التعاون في مجال الطاقة بشكل ثنائي ولكن يجب التفكير في الإطار الجماعي للتعاون مستقبلاً.

 من ناحية ثالثة، على الرغم من وجود جهود من دول العالم للتركيز على مفهوم الممرات الخضراء والتي تحد فيها السفن من استخدام الوقود فإنه لا توجد الكثير من الجهود في هذا المجال ضمن التعاون بين الجانبين على الرغم من أن دول الخليج العربي والهند تصنف بأنها دول بحرية.

 وضمن هذا المحور يلاحظ اتفاق الطرفين من الهند ودول الخليج العربي على أنه بالرغم من الجهود التي تحققت في مجالي أمن الطاقة والابتكار للارتباط الوثيق بين المجالين فإنه لاتزال هناك تحديات وهذا يحتاج وقتاً لمواجهتها، فضلاً عن ضرورة تحديد مصالح الطرفين من ذلك التعاون، بالإضافة إلى مسألة التقييم من آن لآخر للتعرف على مدى ما تم إنجازه.

 الرعاية الصحية والتعليم والتكنولوجيا .. مجالات واعدة للتعاون

يوجد اهتمام كبير من جانب دول الخليج للتعاون مع الهند في مجالات الرعاية الصحية والتعليم والتكنولوجيا، ففي مجال الصحة تسهم الهند بحوالي 10%-15% في  الصناعة الصحية في بعض دول الخليج العربي، بالإضافة للحضور الكبير للأطباء وكذلك مهنة التمريض في مستشفيات دول الخليج العربي وخاصة أن لديهم مهارة والغالبية منهم من ولاية كيرلا بالهند، بالإضافة لزيادة عدد الطلاب الخليجيين الدارسين للطب في الهند والذين يتجاوزن الآلاف في الوقت الراهن، وبوجه عام دول الخليج العربي تولي قطاع الحصة اهتماماً كبيراً ليس فقط ضمن خطط التنمية المستدامة ولكن ضمن خطط ما بعد جائحة كورونا،  ومن بين المجالات الواعدة التي يمكن أن تسهم فيها الهند وهي متطلب لدول الخليج توظيف الذكاء الاصطناعي في المجال الصحي،  إلا أنه من بين التحديات التي تواجه التعاون في المجال الصحي عموماً من وجهة نظر المشاركين من الهند هي أن الأطباء من الهند يجب عليهم إجراء اختبارات قبل الالتحاق بالعمل في الخليج بالرغم من أن لديهم شهادات علمية وهي الاختبارات التي لا يمر بها الأطباء من الدول الغربية على سبيل المثال، ولكن يمكن تفسير ذلك في قواعد كل دولة بشأن استقدام العمالة الوافدة وشروط ذلك، وكذلك تحدي ارتفاع تكلفة الرعاية الصحية في الخليج العربي مقارنة بالهند وتأخر شركات التأمين في سداد مستحقاتها وهي تحديات لابد من مواجهتها، وفي مجال التعليم أثير النقاش حول التعاون في ذلك المجال وخاصة أن الهند استطاعت افتتاح مدارس خاصة بجالياتها في بعض دول الخليج العربي بما يتلاءم مع الهوية الهندية، ولكن في الوقت ذاته لابد من أخذ طبيعة الأجيال الجديدة بالاعتبار من خلال إتاحة خيارات عديدة أمامها وهو أحد متطلبات تطوير التعاون في مجال التعليم بين الجانبين، أما في مجال التكنولوجيا فتركز النقاش على تهيئة البيئة المناسبة للمستثمرين ومنها تحديد نسبة الأرباح ولكن في الوقت ذاته لابد من وضع عنصر المخاطرة في الاعتبار ،ولكن في كل الأحوال فإن الشفافية تعد مطلباً رئيسياً للتعاون في ذلك المجال وخاصة أن هناك اهتمام كبير من الجانبين بالتعاون بل أن هناك أثرياء من الهند انتقلوا للعيش في الخليج ولديهم استثمارات في ذلك المجال.

 

الناس .. الرخاء .. التقدم أهداف ثلاثة للشراكة الخليجية -الهندية

 

قضايا عديدة كانت محاور للنقاش في ذلك المحور أهمها أن التواصل المباشر بين الأفراد في كل من دول الخليج والهند من شأنه دعم وتطوير تلك الشراكة، فاليوم نجد المطاعم الهندية تنتشر في دول الخليج العربي وكذلك هناك اهتمام في الهند بالطعام العربي، إلا أنه على الجانب الآخر يلاحظ أن الجاليات الهندية في الخليج لا تندمج مع المجتمعات الخليجية بل تحرص على أن يكون لها أطرها الخاصة سواء من خلال تأسيس النوادي أو المدارس الخاصة بها وبالتالي لا توجد فرص للاندماج مع المجتمعات الخليجية والتعرف على قيمها وكيفية التفاعل على المستوى الشعبي، فعلى سبيل المثال بالرغم من  قلة أعداد الجاليات الصينية واليابانية مقارنة بالهند فإن كلتا الدولتين كان لديهما حرص على افتتاح مراكز لتعليم كل من اللغة الصينية واليابانية في دول الخليج العربي والتساؤل هو كيف يمكن لأبناء دول الخليج التعرف على القيم التي تسعى الهند لترسيخها، بالنظر إلى أنه إذا كانت من أولى متطلبات الشراكة الثقة فإن تلك الثقة تم بناؤها بالفعل ولكن لابد من تطوير البعد الثقافي لدوره وأهميته البالغة في تعزيز ودعم الشراكات.

 من ناحية ثانية، أثيرت قضية مهمة للغاية وهي أنه في ظل سعي دول الخليج العربي في الوقت الراهن لتوطين الوظائف فإن العمالة الهندية سوف تواجه تحدياً هائلاً حيث سوف يضطر الآلاف من تلك العمالة للعودة إلى وطنهم بل أن ذلك يمثل تحدياً لبعض الشركات الهندية العاملة في الخليج أيضاً والتي هي ملتزمة في الوقت ذاته بتوظيف نسبة من المواطنين وفقاً لشروط الاستثمار الأجنبي.

 الشراكة الاستراتيجية بين الهند والخليج في مجال الأمن البحري   

حظيت قضية الأمن البحري بنقاش مهم خلال حوار كوتشي من خلال تخصيص جلسة خاصة لها  والتي سادها اتجاهان، من جانب الهند وتمثل في رصد الجهود التي قامت وتقوم بها الهند لضمان الأمن البحري وخاصة العمليات البحرية التي أجرتها لمكافحة القرصنة في خليج عدن وكذلك قدرة البحرية الهندية على التعامل خلال الأزمات ومنها عمليات الإجلاء من اليمن عندما اندلعت الحرب عام 2015م، وحرص الهند على تطوير التعاون مع دول الخليج في مجال الدفاع عموماً من خلال توقيع مذكرة تفاهم للتعاون في ذلك المجال مع دولة الكويت في ديسمبر 2024م، خلال زيارة رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي للكويت، بالإضافة لجهود البحرية الهندية في تدريب القوات البحرية في مختلف أنحاء العالم والتي بلغت 27 عملية خلال عام واحد من بينها تدريب  بعض قوات دول الخليج العربي في مجال الحفاظ على أمن السواحل وكذلك تبادل المعلومات البحرية وغيرها من مجالات التعاون المختلفة.

 إلا أن الاتجاه الآخر من باحثي دول الخليج المشاركين في الحوار قد أكد أنه على الرغم من أهمية التعاون بين الهند والخليج في مجال الأمن البحري والذي يتخذ أشكالاً عديدة منها زيارات السفن البحرية لموانئ دول الخليج العربي خلال الفترة من 2013 وحتى 2023م، والتي بلغت 35 زيارة وتوقيع عدة مذكرات تفاهم للتعاون في مجال الأمن البحري وسعي الهند لتطوير أسطولها البحري ومن ذلك صناعة السفن محلياً وهو ما يمكن لدول الخليج العربي الاستفادة منه  ولكن لابد من شمولية التفكير في ذلك المجال بـأن الأمن البحري هو نتيجة لحالة عدم الاستقرار الإقليمي والحرب في غزة ، فضلاً عن دور الميليشيات المسلحة في تهديد الأمن البحري ومن ذلك نجاح الحوثيين في استخدام الدرونز تحت الماء خلال استهداف السفن في باب المندب والبحر الأحمر وهي تهديدات لابد وأن يكون للهند دور تجاهها، وفي حل الصراعات الإقليمية بوجه عام والتي تسهم في إنهاء تهديدات الأمن البحري، من ناحية ثانية فإنه من أجل التعاون في مجال الأمن البحري بين الهند والخليج لابد من تفهم طبيعة تلك التهديدات بالنسبة لدول الخليج العربي وكيفية إسهام الهند في مواجهتها فدول الخليج العربي والتي يصنف بعضها كدول صغرى ومتوسطة لديها معضلة أمنية تتمثل في الفجوة في القدرات البحرية فإيران لديها 398 قطعة بحرية مقابل 375 لدى دول الخليج العربي الست، وتواجه دول الخليج تهديدات الملاحة البحرية بشكل مستمر في مضيقي هرمز وباب المندب، بما يعنيه ذلك من ضرورة تفهم الهند للاحتياجات الخليجية الحقيقية في مجال الأمن البحري وهي بناء القدرات والقدرة على التعامل مع الكوارث والأزمات في البحار وتحقيق توازن القوى مع إيران ولا يعني ذلك حضوراً عسكرياً للهند في منطقة الخليج العربي بل التزام طويل المدى لمواجهة تهديدات الأمن البحري في الخليج من خلال استراتيجية متكاملة وعدم التعامل مع تلك التهديدات مع كل حالة على حدة، وكان من بين المقترحات هي لماذا لا تطلق الهند مبادرة للأمن البحري للتعاون مع دول الخليج العربي كمنظمة؟

 الخلاصات الاستراتيجية للحوار

  أولاً أن الحوار كان فرصة مهمة للغاية للمصارحة والشفافية من الجانبين، صحيح أن حجم المصالح بينهما يؤسس لآفاق شراكة شاملة ولكن تبرز مسألة الأولويات بالنسبة للطرفين. 

 ثانياً: مع أهمية وجود اهتمام متبادل بين الجانبين لتطوير الشراكة ولكن الهند ليست بمفردها في منطقة الخليج وإنما يوجد منافسين ومن بينهم الصين ومن ثم فإن التساؤل الذي أثير ما هي القيمة المضافة التي يمكن أن تقدمها الهند لدول الخليج في كافة المجالات وخاصة الأمن ومن بينها الأمن البحري.

 ثالثاً: النقاش لم يكن فقط حول طبيعة ومضامين الشراكة ولكن آلياتها، فمع أهمية تطور العلاقات الثنائية بين الهند ودول الخليج العربي فإن الأهم هو كيفية تطوير تلك الشراكة بين مجلس التعاون كمنظمة والهند بالتوازي مع المسارات الثنائية للعلاقات.

 رابعاً: مع أهمية الحوار ولكن كان لافتاً عنوان الحوار هو" سياسات الهند نحو الغرب: الناس، الرخاء، والتقدم" وكان يجب أن يكون محدداً بشكل واضح الشراكة الاستراتيجية بين الهند ودول الخليج العربي بما يتلاءم وأهمية تلك الدول بالنسبة للهند وليس القول سياسة الهند تجاه الغرب بشكل عام.

خامساً: انطلاقاً من أهمية دور مراكز البحوث في دعم صانع القرار إلا أنه لوحظ وبالرغم من أهمية مشاركة ممثلي العديد من المؤسسات في الخليج العربي في الحوار ولكن من بين هؤلاء اثنان فقط من مراكز الدراسات الخليجية من دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين. 

وعلى الرغم من ذلك فإن حوارات من هذا النوع يمكن أن تسهم في تقييم مضامين ومسارات الشراكة بين دول الخليج العربي والهند في ظل حرص الجانبين على تطويرها نحو آفاق أكبر مستقبلاً.

مقالات لنفس الكاتب